الشرق اليوم– قدم رئيس الوزراء الماليزي، محي الدين ياسين، استقالته من منصبه، بعد قضاء 17 شهراً فقط في الرئاسة، وهي أقصر فترة حكم لرئيس وزراء ماليزي، وسط تقلبات سياسية لم تشهدها البلاد.
وتأتي استقالة ياسين بعد مطالبات من المعارضة واستنفاد محاولات استمالتهم، فيما قد تستمر المناوشات السياسية التي شهدتها ماليزيا خلال الأسابيع القليلة الماضية حتى تسمية خليفة جديد لمنصب رئيس الوزراء.
بيد أن الوضع الصحي والاقتصادي المتأزم الذي تعانيه البلاد بسبب جائحة كورونا سوف يحول دون إجراء انتخابات عامة في المستقبل القريب.
محي الدين ياسين المكلف
وصل محي الدين ياسين إلى سدة الحكم في ماليزيا مطلع مارس (آذار) العام الماضي عقب استقالة مفاجئة قام بها مهاتير محمد معلناً سقوط حكومة تحالف الأمل الذي انتزع المنصب من حزب أومنو عام 2018 بعد ما يزيد على 60 عاماً قضاها أومنو كحزب حاكم. وقد وصف البعض سقوط تحالف الأمل بـ “انقلاب” دبره ياسين للإطاحة برئيس حزبه مهاتير محمد.
كما أن تنصيب ياسين تم بعد تكليف ملك البلاد السلطان عبدالله رعاية الدين المصطفى بالله شاه بتشكيل الحكومة بعد عقده لقاءات منفصلة مع نواب البرلمان البالغ عددهم 222 نائباً. الأمر الذي عده البعض سبباً في رفع مستوى التوتر السياسي في ماليزيا مع مزاعم المعارضة بعدم أحقيته لقيادة البلاد لعدم حصوله على الغالبية البرلمانية، كما أن جائحة كورونا كان لها دورها في استمرار حكومة التحالف الوطني التي شكلها محي الدين، مع إعلان حالة الطوارئ التي حالت دون انعقاد البرلمان وأعطت الحكومة سلطات مفتوحة لمواجهة الوباء.
معضلة الغالبية
مع ولادة حكومة التحالف الوطني وأزمة تأمين الغالبية البرلمانية التي هي طوق النجاة لاستمرار الحكومة حتى موعد الانتخابات المقبلة في 2023، ظلت معضلة الغالبية البرلمانية شوكة في حلق التحالف الوطني طوال الفترة الماضية فيما سعى ياسين للحفاظ على تماسك حكومته التي مزجت بين أحزاب متنافسة، وكرست حكومته جهودها في مواجهة كورونا عبر إطلاق العديد من حزم الدعم الاقتصادي، وجالت العالم شرقاً وغرباً لإعادة إصلاح العلاقات التي تضررت خلال فترة حكم تحالف الأمل، كما يرى مراقبون أن الهدف الأساسي هو بحث الشرعية الدولية واستمالة الاستثمارات الأجنبية لدعم الاقتصاد الذي يمر بمرحلة ركود نتيجة الوباء. ومع ذلك لم تتغاضَ المعارضة عن إعلان حالة الطوارئ وتعليق عمل البرلمان كما أن أداء الحكومة لم يؤيده حزب أومنو، أكبر أطراف التحالف الحاكم، وهو ما أدى إلى انسحاب واستقالة بعض الوزراء المنتمين لحزب أومنو مما شكل ضغطاً كبيراً دفع رئيس الحكومة الحالية باتجاه الاستقالة.
القصر الملكي ينتقد الحكومة
تعرضت الحكومة إلى انتقاد علني نادر من القصر الوطني، وذلك على خلفية تصريح وزير القانون أمام البرلمان بأن الحكومة ألغت كافة مراسيم الطوارئ. وعبر ملك ماليزيا عن امتعاضه من تصرف الحكومة وقرارها المنفرد في إلغاء قوانين الطوارئ من دون موافقته. وشكل البيان الملكي فرصة لكل منتقدي الحكومة للهجوم والمطالبة بالاستقالة بتهمة خيانة الملك وعدم احترام الدستور، بخاصة أن البرلمان الذي تم تعليق عمله لشهور كان قد عاد للانعقاد بعد تدخل الملك وحكام الملايو لدعوة الحكومة للسماح بعودة انعقاده. كما قاربت ماليزيا من تسجيل مليون ونصف إصابة بفيروس كورونا مع ارتفاع معدلات الإصابات والوفيات اليومية إلى أعلى مستوى لها خلال الأسابيع الماضية، ما وضع البلاد تحت وطأة وضع وبائي مزري، على رغم معدلات التحصين المتسارعة واستمرار الإغلاق. وانعكس ذلك على مخاطبة ماليزيا للدول الصديقة لإرسال مساعدات طبية عاجلة للمساهمة في احتواء الأزمة الصحية.
غصن الزيتون
لم ينقذ عرض غصن الزيتون محي الدين ياسين قبل تقديم استقالته بيومين، الذي كان على طاولة المعارضة طالباً التعاون معهم مع وعود بمناصب وزارية رفيعة في محاولة لإنقاذ الحكومة بعدما تأكد فقدانه الغالبية نتيجة قرار انسحاب حزب أومنو من التحالف الحاكم. فيما قوبل العرض برفض قاطع، ووُصِف بـ “الرشوة السياسية”، فيما وصف رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق محاولة ياسين “بغير الأخلاقية” للسيطرة على الحكم.
لم يكن العرض أولى محاولات ياسين لحشد الدعم داخل البرلمان والحفاظ على استقرار حكومته، فقبل أسابيع قليلة قدم تعديلاً وزارياً تم فيه ترقية اثنين من وزراء أومنو لكنها لم تؤت ثمارها في ظل إصرار رئيس أومنو أحمد زاهد حميدي على سحب دعمه ومطالبة الحكومة بالاستقالة.
استقالة رئيس الوزراء
بعد عدة أسابيع من المناورات السياسية المكثفة، أعلن محي الدين ياسين استقالته من منصب رئيس الوزراء. فيما صدر بيان عن القصر الوطني، بأن ملك ماليزيا قبل الاستقالة مع بقاء ياسين في منصب رئيس وزراء تصريف الأعمال حتى يتم اختيار رئيس وزراء جديد لتشكيل الحكومة. كما أكد القصر الملكي أنه من الصعب إجراء انتخابات عامة في المستقبل القريب نظراً للوضع الصعب لجائحة كورونا وارتفاع عدد الإصابات القياسي.
جاءت استقالة ياسين بعد فترة وجيزة من توليه زمام أمور البلاد، وتعتبر الاستقالة التغيير الثاني في الحكومة في أقل من عامين، بعد صعود تحالف الأمل المعارض الذي أطاح بحكومة الجبهة الوطنية في مايو (أيار) 2018، وصعود حكومة التحالف الوطني بقيادة ياسين في مارس من العام الماضي.
القرار للقصر
أعادت الاستقالة بطبيعة الحال دفة الحكم إلى القصر الوطني، ووضعت ملك ماليزيا أمام ثلاثة خيارات دستورية؛ أولها تكليف حكومة مؤقتة لإدارة شؤون البلاد لحين الاستقرار على اسم رئيس وزراء يحظى بغالبية واضحة داخل البرلمان، وثانياً حل البرلمان والدعوة لانتخابات عامة مبكرة، وأخيراً تكليف نائب برلماني يعتقد الملك أنه يمتلك الغالبية بتشكيل الحكومة. جاء قرار السلطان عبدالله بتكليف ياسين بقيادة الحكومة الانتقالية وهو ما يعني بقاؤه رئيساً للوزراء مع تنحيه بمجرد العثور على رئيس وزراء جديد. كما أن ذلك سوف يعطي للملك الوقت للنظر في المرشحين المحتملين والتحقق من عدد مؤيديهم في مجلس النواب قبل إصدار تكليف رسمي بتشكيل الحكومة الجديدة.
اعتذار الوزراء
صدى الاستقالة بدأ قبل أن تُعلن، فقد لجأ أعضاء مجلس الوزراء السابقين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإعلان القرار والإعراب عن امتنانهم واعتذارهم ولتوديع الماليزيين.
وأكد وزير العلوم والتكنولوجيا والابتكار السابق خيري جمال الدين، أن مجلس الوزراء قدم استقالته، بعد دقائق من لقاء رئيس الوزراء مع ملك ماليزيا، شاكراً الجمهور على إتاحة الفرصة لخدمتهم. فيما أعرب وزير الخارجية السابق داتوك سري هشام الدين حسين عن امتنانه لإتاحة الفرصة له لخدمة الوطن والشعب. وأعقب ذلك تغريدات من وزير القانون تقي الدين حسن، ووزير الصناعات الزراعية والسلع محمد خير الدين أمان رزالي. فيما قدم وزراء الأقاليم الفيدرالية والصحة والتجارة والشؤون الدينية اعتذارهم مطالبين الصفح من الشعب عن أخطائهم وأوجه قصورهم خلال فترة عملهم.
من جانب آخر، رحبت المعارضة بقرار استقالة رئيس الوزراء، وأشاد زعيمها أنور إبراهيم بقرار ياسين معتبراً إياه خطوة ستوفر فرصة جديدة للبلاد لتغيير مسارها الحالي، وحث جميع الأطراف على التزام الهدوء لتمكين البلاد من التعافي من جائحة كورونا. فيما أكد حزب العمل الديمقراطي أن استقالة ياسين تصرف صحيح وشجاع.
مستقبل ضبابي
ينتظر الماليزيون تسمية رئيس وزرائهم الجديد خلفاً لمحي الدين ياسين، بيد أن بيان القصر الملكي لم يحدد الفترة الانتقالية كما أن الوضع المتأزم صحياً واقتصادياً يستبعد إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وهو ما أكد عليه بيان القصر. كما أن تسمية النائب البرلماني تحتاج إلى موافقة الملك الماليزي بعد التأكد من حصوله على ثقة غالبية النواب في مجلس النواب، ما يعني ضرورة دعم ما لا يقل عن 111 برلمانياً من أصل 220 نائباً، وهو ما يجعل المشهد السياسي الماليزي أكثر تعقيداً حيث لم يعلن أي حزب أو قيادة أو تحالف برلماني امتلاكه للغالبية.
ومع استعداد قادة الأحزاب الماليزية للقاء ملك البلاد للتشاور حول مستقبل ماليزيا السياسي، يبقى السؤال الأهم هل من كلمة سواء للزعماء من أجل مستقبل ماليزيا أم سيستمر الخلاف السياسي حتى الانتخابات المقبلة؟
المصدر: اندبندنت عربية