الشرق اليوم- عادت أفغانستان إلى محنتها القديمة، ففي أيام قليلة استعادت حركة طالبان السيطرة على معظم أقاليم البلاد وباتت العاصمة كابول في قبضتها، وتوالت التطورات الدراماتيكية مغادرة الرئيس أشرف غني البلاد بعد انهيار حكومته وتبخر قواتها وفرار كبار المسؤولين وتوالي قوافل النازحين، بينما تقوم القوات الأمريكية وحليفاتها بإجلاء رعاياها دون قتال، وكأن ما يحصل يدور بين “أصدقاء” وليس أعداء ظلوا يتقاتلون عشرين عاماً.
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لم يكن مقنعاً عندما برر أحداث الأيام الماضية بأن القوات الأفغانية لم تتمكن من الدفاع عن البلاد، وأن القوات الأمريكية حققت هدفها المتمثل في إزالة خطر الإرهاب، متجاوزاً حقيقة تاريخية تؤكد أن قرار واشنطن بغزو أفغانستان قبل 20 عاماً غداة اعتداءات 11 سبتمبر كان بهدف القضاء على الحركة المتطرفة التي كانت حاضنة لتنظيم “القاعدة” الإرهابي وزعمائه المسؤولين عن تلك الهجمات. والسؤال الذي قد يواجهه أي مسؤول في الولايات المتحدة عندما يحيي الأمريكيون الذكرى العشرين لتدمير برجي التجارة في نيويورك.. أين ذهبت مئات مليارات الدولارات ودماء آلاف الجنود ووعود الإدارات الأربع المتعاقبة بإحلال السلام في أفغانستان و”بناء نظام ديمقراطي قوي”، وقبل ذلك وبعده.. أين نتائج الحرب على الإرهاب في تلك الجبهة المحورية؟
كل المؤشرات تؤكد أن ما حل بأفغانستان نتاج تفاهمات وتوافقات سرية من أكثر من جهة، لأن الانهيارات المثيرة للقوات الحكومية والتقدم السريع لمسلحي “طالبان” ليست بسبب خلل عسكري، ولكن في الأمر ما قد تساعد الأيام المقبلة في إماطة اللثام عنه، فهناك تكتم ممنهج يحجب تفاصيل كثيرة وأهدافاً غير واضحة في الصورة. كل هذه المعطيات لا تثير المراقبين فحسب، بل الدول العظمى كذلك مثل روسيا والصين اللتين تخشيان معاً من تدهور الأوضاع في جارتهما، وتتخوفان من أن تكون المنطقة مهددة بتمدد تنظيم “داعش” الإرهابي، وهو أمر لم تخفه موسكو وبكين عندما أجرتا معاً مناورات عسكرية ضخمة بأحدث أنواع الأسلحة البرية تحسباً لما يمكن أن تسفر عنه تداعيات الأحداث الجارية وما قد تتضمنه من فخاخ وألغام.
لا يبشر الوضع الأفغاني المريب باستقرار أو سلام قريب في ظل مخاوف مشروعة وتقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان وحوادث انتقام، على الرغم من “التطمينات” التي زودت بها حركة طالبان وسائل الإعلام؛ فالحركة أعلنت أنها ستعود إلى أحكامها المتشددة التي سامت بها الشعب الأفغاني في تسعينات القرن الماضي، فيما دول العالم، والغربية منها على وجه الخصوص، منشغلة الآن بتأمين سحب رعاياها وإتلاف الأسرار في السفارات. أما الحديث عن مراقبة الوضع عن كثب وتهديد حركة طالبان بالعزلة أو العقوبات إن هي تجاوزت الخطوط الحمر، فلا معنى له ولن يغير في الواقع شيئاً، فكل أفغانستان بما فيها كابول تنقاد إلى المجهول، بعدما أصبحت تحت رحمة حركة مسلحة تفتقر لأدبيات العصر وأدوات الحكم الحديث.. كان الله في عون أفغانستان.
المصدر: صحيفة الخليج