الشرق اليوم- بينما يقول الرئيس اللبناني ميشال عون إن الطريق سالك أمام تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، اندفع آلاف المواطنين إلى قطع الطرق احتجاجاً على إقفال محطات الوقود أبوابها بانتظار الأسعار الجديدة إثر إعلان مصرف لبنان عن رفع الدعم عن المحروقات، وهو ما فرض على الجيش مداهمة عدد من المحطات المقفلة ومصادرة كميات من البنزين، المخزنة لتنساب لاحقاً في قنوات الاحتكار والفساد.
المفارقة بين ما يعلنه القادة السياسيون والواقع جعلت الأزمة اللبنانية تحتدم يوماً بعد يوم وتأخذ مسارات خطيرة دون أن يظهر بصيص أمل فعلي للإنقاذ. ففي الظرف الراهن أصبحت الخلافات السياسية على المكشوف بين عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، دون نسيان مواقف ميقاتي وقيادة الجيش وقادة الأحزاب، وكلهم يحملون مقاربات مختلفة، وكل منهم يريد أن يكون هو صاحب الفانوس السحري لتغيير الأوضاع، في حين أن الوقت والتطورات تقف ضد الجميع وثقة الشارع فيهم بلغت الدرك الأسفل، ولم يعد بالإمكان تحمل التدهور المروّع في كل شيء أو الصبر على الانهيار المالي والمعيشي وارتفاع معدلات الفقر وشح الوقود والأدوية والسلع الأساسية وأولها رغيف الخبز.
في خضم تعقيدات المشهد يحاول عون أن يفتح كوّة في جدار اليأس، وقد أعرب لوفد شبابي عن أمله “أن يخرج الدخان الأبيض قريياً”، في إشارة إلى احتمال استكمال تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة ميقاتي. وفي انتظار أن يتحقق حلم عون ليس هناك غير الدخان الأسود يتصاعد من شوارع لبنان غضباً واحتجاجاً واستنكاراً لفساد الطبقة السياسية وفشلها المستمر في إنهاء أسوأ أزمة اقتصادية تاريخية تعصف بالبلد منذ خريف 2019، وتنذر بعواقب مشؤومة في ظل الحرب الأهلية الباردة القائمة، ليس بين الأحزاب السياسية فحسب، وإنما بين مؤسسات الدولة، فحاكم المصرف المركزي يريد رفع الدعم عن المحروقات، ورئيس الجمهورية يحذر من تداعيات اجتماعية خطيرة ويدعو إلى اجتماع استثنائي لحكومة تصريف الأعمال، لكن رئيسها حسان دياب يرفض الاجتماع ويتهم حاكم المصرف باتخاذ قرار منفرد. وعلى الربوة تقف مجموعة الأحزاب لتدعم هذا وتندد بذاك أو تتباكى على خرق الدستور، بينما يسير البلد بسرعة هائلة نحو الشلل التام.
ليس جديداً أو مفيداً إعادة التذكير بأن لبنان في حالة حرجة جداً، وقد لا يستطيع البقاء على قيد الحياة طويلاً إذا استمر العبث غير المعقول بما بقي له من مقدرات، والفرصة الوحيدة الممكنة أن يطوي كل ما سبق ويحدث تغييراً جذرياً يؤدي إلى إعادة بناء البلد على أسس تنتمي إلى هذا العصر وتنتفض على أنظمة المحاصصة الطائفية والفساد والانتخابات الموجهة. والخير المنتظر لا يمكن أن يأتي من نفس الوجوه المستقطبة للأضواء والصراعات منذ عقود.. ربما يكون هذا الحلم مستحيلاً في لبنان، لكنه الأمل الوحيد تقريباً إذا أريد لذلك البلد أن ينطلق في الحياة من جديد.
المصدر: صحيفة الخليج