بقلم: فيصل العساف – عكاظ السعودية
الشرق اليوم– من هي طالبان؟ بعد الانتصار في معركة مقاومة الغازي السوفييتي، حضر دهاقنة (الجهاد) الأفغاني مأدبة الشيطان التي أقامها على شرف مصالحهم الشخصية، لتغرق أرضهم مجدداً بالفساد والدماء، بيدهم هذه المرة لا بيد المحتل! حرب أهلية طاحنة، وزعامات مستبدة تنتهك كرامة الإنسان لسنوات. في وسط ذلك الجو السياسي الموحل، رجل من قندهار يدعى محمد عمر، يحاول التصدي لمظاهر الانهيار الأمني والأخلاقي، ويتابعه على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه في العام 1994. تنشأ طالبان -جمع كلمة طالب في اللغة البشتونية- وتنخرط في دور مسلح يستهدف انتشال أفغانستان، حازت به على قبول الغالبية العظمى من الشعب، لتعلن عن نفسها أواخر العام 1996 إمارة إسلامية.
قد لا تتوافق حينئذٍ مع طالبان، إلا أنه لا يسعك سوى الاستماع إلى تلك التجربة التي تمكنت في ظرف سنتين، من إخضاع حوالى 95 % من الأراضي الأفغانية العصية بتفريعاتها القبلية والإثنية والدينية. الجارة باكستان فعلت ذلك أولاً، تلتها بعض الدول الإسلامية الذين كانوا في طليعة المباركين لما يحقق استقرار البلد المنهك، باعترافهم بالحكومة الناشئة. وكما هو طبيعي، واجهت طالبان الوليدة تحديات داخلية حاولت تقويضها، كان لحزب الإخوان المسلمين -فرع أفغانستان- بجذوره الضاربة في عمق الحالة الأفغانية دوره البارز خلالها، حيث رفض المنتمون له طالبان، وناصبوها العداء. برهان الدين رباني الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان، أو رئيس الدولة قبل مجيء طالبان، فرّ من كابل وأصبح معارضاً للحركة حتى اغتيل في العام 2011. اتخذ الموقف نفسه عبد رب الرسول سياف، قائد تنظيم الاتحاد الإسلامي الذي انطوت تحت عباءته كافة الفصائل الجهادية أوائل ثمانينات القرن الماضي. إذ انحاز في مواجهة طالبان إلى تحالف الشمال، وهو تحالف يقوده الشيوعي العتيد عبدالرشيد دستم، ويضم في صفوفه المجاميع المسلحة من الطائفة الشيعية، وغيرهم.
بقي في جعبة الزعامات الإخوانية قلب الدين حكمتيار، الذي واجه الطالبانيين بادئ الأمر، ثم انضوى تحت رايتهم. قبل أن يعود لاحقاً إلى صف الحكومة الأفغانية، ويوقع معها اتفاق سلام في العام 2016 تخلى بموجبه عن معارضته لها. حكمتيار وإن شذ عن قاعدة العداء السياسي بين الإخوان وطالبان، أو تردد أحياناً، فإنه استثناء، والاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها. وحول هذه القاعدة، لا بد من تسليط الضوء على ذلك القدر من التوافق والتنسيق بين حزب الإخوان المسلمين والأمريكان، على طول الخط الإسلامي الساخن! في أفغانستان مثلاً، انضم الإخوان باكراً إلى خندق الحكومات التي تعاقبت على إدارة أفغانستان في ظلال الأمريكان، وتحاربها طالبان. وكان لهم في برلمان اللوياجيرغا الأفغاني، دور بارز في تقليد حامد كرزاي منصب رئيس جمهورية أفغانستان في العام 2004.
بالعودة إلى طالبان، فإنها الحركة الإسلامية المسلحة الوحيدة التي يمكن التفاهم معها. تخيل! هذه الفكرة يمكن أن تكون خارج سياق السائد إعلامياً عن الإسلام السياسي هذه الأيام. ما العمل وهذا السائد أصابته على ما يبدو عدوى الأيديولوجيا من ذلك الإسلام الذي يستهدف! يرفض مسبقاً كل ما يأتي منه، وهذا حق متاح. لكنه رفض مؤدلج، خال من المنطق السياسي، ولا يقدم بديلاً لما يرفضه. والأمر هنا يتعلق بواقع سياسي قائم، والسياسة كما يقال فن الممكن، والممكن لا يكون ممكناً إلا على الأرض. علماً، أن أفغانستان هذه ليست مجرد بقعة نائية فيها مسلمون، بل قضية موغلة في عمق التاريخ الإسلامي الحديث. وطالبان التي فشلت فشلاً سياسياً ذريعاً في امتحان أسامة بن لادن في العام 2001، هي نفس الحركة التي خاضت تجربة حوارات ممتدة وجادة وناجحة مع الأمريكيين، كانت خلالها نداً صلباً ومفاوضاً متمرساً. وحتى كتابة هذا المقال، يتجاوز نفوذها الـ 80 % من مساحة أفغانستان، في غضون شهرين فقط من الانسحاب الأمريكي. كل ذلك يوحي بأمرين: ثقل سياسي وازن، ونهج واقعي تأخذ به هذه الحركة.