الرئيسية / مقالات رأي / واشنطن وبغداد.. الدرس الأفغاني

واشنطن وبغداد.. الدرس الأفغاني

بقلم: محمد السعيد إدريس – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- من الصعب تصور أن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، لم تكن لديه خريطة توقعات لردود الفعل العراقية الداخلية لما يمكنه أن يحصل عليه من مكاسب في لقائه بالرئيس الأمريكي جو بايدن، وكمحصلة لجولة الحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي الرابعة التي جرت في واشنطن قبل نهاية الشهر الماضي. مصطفى الكاظمي، كرجل استخبارات سابق، يملك مؤهلات امتلاك تلك الخريطة من التوقعات العراقية، لكن يبقى السؤال الأهم دون إجابة: هل لدى الكاظمي رؤية متكاملة لإنجاح مخرجات جولة الحوار الاستراتيجي الأخيرة؟ وإلى أي حد سيتمكن من تثبيت تلك المخرجات في جوانبها الثلاثة المهمة وهي أولاً: وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق بنهاية آخر يوم من العام الجاري، وثانياً: تغيير مهمة القوات الأمريكية التي ستبقى في العراق من المهمة القتالية إلى المهمة التدريبية، دون تحديد لحجم تلك القوات التي ستبقى بعد هذا التاريخ، وثالثاً: إعادة ضبط العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة والعراق باتفاقية الإطار الاستراتيجي الأمريكية مع العراق الموقعة عام 2008 وتوسيع نطاق التحالف الاستراتيجي الأمريكي – العراقي.

صعوبة الإجابة على هذا السؤال مرجعها إلى ثلاثة أمور؛ أولها، وجود انقسام حاد في الإدراك السياسي العراقي للوجود الأمريكي في العراق. وثانيها، وجود قضايا ساخنة متفجرة في العراق من شأنها تهديد المستقبل السياسي لشخص مصطفى الكاظمي، باعتباره الراعي الأهم لتلك المخرجات التي نتجت عن الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد. وثالثها، سوء الحظ الذي يواجه فرص الكاظمي في إنجاح تلك المخرجات بسبب التداعيات والدروس السلبية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما تلقي به من تلال من الشك والريبة في أي تعويل على مصداقية الوعود الأمريكية.

بالنسبة لانقسام الإدراك السياسي للوجود الأمريكي في العراق، فمن المؤكد أن مصطفى الكاظمي يعرف بوجود ثلاثة اتجاهات رئيسية بشأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق. الاتجاه الأول يمثله الموقف الحكومي الرسمي الحريص على بناء علاقة مع الأمريكيين على أساس المصالح المشتركة والالتزام باتفاقية الإطار الاستراتيجي من منطلق إدراك حجم المخاطر التي تتهدد العراق وضعف القدرات العسكرية العراقية في مواجهة تلك التهديدات منفردة وخاصة تنظيم “داعش” الإرهابي، ناهيك عن حرص هذا الاتجاه على الاستفادة من الأمريكيين في مجالات أخرى غير الأمن وخاصة المجالات الاقتصادية والسياسية. أما الاتجاه الثاني فيمثله الجناح السياسي والعسكري القريب من إيران سواء داخل البرلمان أم في أوساط “الحشد الشعبي”. هذا الجناح يتماهى مع الموقف الإيراني الحريص على إنهاء أي وجود أو نفوذ عسكري وسياسي للأمريكيين في العراق. يأتي الاتجاه الثالث ليمثل طيفاً كبيراً في الأوساط الشعبية ومنها الكرد بالعراق، الذين يعانون النفوذ الإيراني ويرون في الوجود الأمريكي “قوة توازن” ضرورية في العراق لتحجيم النفوذ الإيراني، ومتنفساً لهؤلاء في المعادلة السياسية العراقية.

إدراك الكاظمى لعمق هذا الانقسام يعطيه استنتاجاً بأن مخرجات ما حصل عليه من الأمريكيين في جولة الحوار الاستراتيجي الأخيرة، لن تكون أمامه فرص مواتية كي يحقق ثماره المرجوة، وأن الرفض لتلك المخرجات والتشكيك فيها والانقسام عليها سيعوق فرص الكاظمي لتحويلها من نصوص إلى سياسات خاصة إذا قررت منظمات “الحشد الشعبي” مواصلة ضرباتها للمواقع العسكرية الأمريكية في العراق.

تأتي الأحداث الداخلية العراقية وخاصة الانقسام المتصاعد حول المشاركة في الانتخابات العامة المبكرة المقرر إجراؤها في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لتفاقم من خلق مناخ معرقل لإنجاح مخرجات الحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي، ولتربك حسابات الحكومة العراقية ورئيسها في تنظيم العلاقة المستقبلية مع الأمريكيين والتي يراها كفيلة بإخراج العراق من المعادلة الجهنمية للصراع الأمريكي – الإيراني على الأراضي العراقية.

فبعد أن كان مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري هو الوحيد الذي أعلن قبيل سفر الكاظمي لواشنطن الانسحاب من المشاركة في الانتخابات العامة المقبلة، لحق به، بعد عودة الكاظمي من واشنطن زعيم تحالف “المنبر العراقي” إياد علاّوي، ورئيس جبهة “الحوار الوطني” صالح المطلك.

موجة الانسحاب من الانتخابات ترتكز على مبررات من نوع تضاؤل وتناقص نسب المشاركة الجماهيرية المحتملة في هذه الانتخابات، ومن نوع غياب البيئة الآمنة وانتشار الأسلحة التي تكفل إجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية. ويتزامن مع هذا التوجه الداعي لتأجيل الانتخابات توجه آخر لسحب الثقة من رئيس الحكومة وإسقاطها.

يحدث هذا كله في أجواء من الريبة لما تضمنته مخرجات الحوار الاستراتيجي من تجديد الحديث عن اتفاقية الإطار الاستراتيجي سواء في البيان الصادر عن جولة الحوار الأخيرة، أو عن كبار المسؤولين الأمريكيين والعراقيين المشاركين في الحوار، والوعود الأمريكية المفرطة على نحو ما ورد على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أن “الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بمساعدة حكومة العراق على تحقيق مستقبل آمن ومستقر ومزدهر”. هذه الأجواء من الريبة والتشكك في جدية ومصداقية الوعود الأمريكية جاءت ضمن التداعيات السلبية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والحديث المرير في مدلولاته للرئيس الأمريكي جو بايدن من أن “الولايات المتحدة لم تذهب إلى أفغانستان لبناء أمة”.

تشكك ربما يكون في بدايته، لكن الأمر المؤكد أن تجربة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ستكون حاكمة للتفاعلات العراقية – الأمريكية خلال الأشهر المقبلة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …