افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – عندما تُعرب الجامعة العربية عن قلقها من التصعيد في جنوب لبنان على خلفية القصف الإسرائيلي وتحذر من مغبة خروج الوضع عن السيطرة، فهي تشير إلى أن هذا التوتر جاء في توقيت ملتبس بالتزامن مع تحرك عربي ودولي لإنقاذ لبنان من كبوته السياسية غير المسبوقة، وأزماته المزمنة بسبب تعدد المتورطين وتضارب مآربهم، بينما يسقط البلد ضحية تجاذبات داخلية وإقليمية ودولية وينجرف إلى ضياع شامل لا عودة بعده.
منذ عقود لم يستطع لبنان التحرر من الأزمات والتدخلات التي تمزق نسيجه وتهدد مستقبله، ومازالت نخبه السياسية رهينة الحسابات الضيقة والتبعية للخارج، بل إن بعض هؤلاء الفاعلين لا يعيرون قيمة للبنان ولا يقيمون وزناً للمعايير الوطنية والأخلاقية ولا يستوعبون صوت الشارع ولا يريدون التحرر من المحاصصات الطائفية والسياسية. ورغم المساعي الدولية الرامية إلى مساعدة لبنان والضغوط التي وصلت إلى درجة التهديد بالعقوبات، ليس هناك ما يشير فعلاً إلى أن هناك جديداً يتبلور، فهذا هو رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي قد التقى رئيس الجمهورية ميشال عون خمس مرات في أقل من عشرة أيام لاستكمال تشكيل الحكومة دون أن تكتمل، وتشير تصريحاته إلى أن الطريق يبدو مسدوداً، وبدأ يردد ما كان يقوله سلفه سعد الحريري بأنه «سيصارح الشعب» عندما تصبح الحاجة إلى ذلك مؤكدة.
ليس في مصلحة لبنان أن تنتهي مهمة ميقاتي بالفشل؛ لأن حدوث ذلك يعني ضياع كل شيء وانهيار البلد حقيقة لا مجازاً. وقد أجمعت على ذلك الدول المجتمعة في المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي استطاع جمع تعهدات بمئات ملايين الدولارات لدعم الشعب اللبناني عبر منظمات المجتمع المدني. وهذا التوجه قد لا يكتب له النجاح في غياب حكومة قادرة على الفعل داخلياً وتُقنع المجتمع الدولي بأدائها ونزاهتها، وفي صدارة الاستحقاقات المطلوبة، مكافحة الفساد وكشف رموزه وقنواته، ومحاسبة المتجاوزين والمتورطين في قضايا مطروحة أمام العدالة، ولاسيما المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت الذي مرت قبل يومين ذكراه السنوية الأولى دون أن يأخذ القضاء مجراه أو يحقق ذوو الضحايا شيئاً مما يأملونه في العدالة الموصومة بأنها غير عادلة.
من دون حكومة تلبي نداءات الشارع وتناسب المجتمع الدولي لن يستطيع لبنان النهوض من كبوته ولن يحصل على الاستثمار اللازم لإنعاش اقتصاده. ولأن الإمارات من الدول الرائدة في مساعدة الشعب اللبناني خصوصاً في ظل جائحة كورونا، أكدت، في مؤتمر المانحين، تطلعها إلى تشكيل حكومة تغيّر من حال لبنان وتنأى به عن الصراعات والاستقطابات الإقليمية وتعمل جادة في مشاريع البناء والإعمار والازدهار. وبهذه المقاربة، دون غيرها، يمكن إنقاذ لبنان الذي لم يعد صالحاً للعيش، حيث لا دواء ولا خبز ولا كهرباء ولا مستقبل أيضاً مادام مختطفاً لدى أطراف سياسية أدمنت اجترار الفشل وفقدت الغيرة على وطن يضيع بالتقسيط ويُدمَّر بلا حساب.