بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – يؤشر سياق الأحداث في أفغانستان إلى أن حركة “طالبان” تحقق يومياً مكاسب تجعلها أقرب إلى العودة إلى الإمساك بالحكم مجدداً، أو إنزلاق البلاد إلى حرب أهلية تعيد أمجاد “أمراء الحرب” الذين يعرفهم الأفغان جيداً في مرحلة ما بعد الانسحاب السوفياتي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، ونشوب النزاعات في ما بين الفصائل الأفغانية التي كانت تقاتل موسكو بدعم أميركي. والتطاحن الأهلي استمر حتى مرحلة استيلاء “طالبان” القادمة من المدارس الدينية في باكستان على كابول في عام 1996.
وكان “تحالف الشمال” بقيادة مسعود شاه هو القوة الوحيدة المتبقية في ممر خيبر الذي لم تستطع “طالبان” الاستيلاء عليه. وقتل مسعود شاه في تفجير انتحاري قبل يومين من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على الولايات المتحدة. أما هل ثمة علاقة بين الحدثين، فذلك ما لا يزال طي الغموض.
إذن بعد الانسحاب الأميركي، تتأرجح أفغانستان بين خيارين لا ثالث لهما. إما الخضوع لحكم “طالبان” أو نشوب حرب أهلية وعودة “أمراء الحرب” للظهور بدعم أميركي، حيث سيتمكن هؤلاء مستندين إلى عصبية قبلية من الصمود في مواجهة الحركة المتشددة في بعض مناطق أفغانستان، كما هو حال إسماعيل شاه في ولاية هرات.
أما القوات النظامية التي أنفقت الولايات المتحدة على تدريبها وتسليحها في العشرين عاماً الأخيرة أكثر من تريليون دولار، فإنها لن تكون قادرة على الصمود في أفضل الأحوال إلا مدة أشهر، بعدما بدأت عواصم الولايات تسقط في يد “طالبان” بدءاً من لشكركاه في ولاية هلمند، بينما يشتد الحصار على قندهار وهرات وقندوز.
القصف الجوي الأميركي من بعيد لا يمكن أن يشكل سوى رادع موقت أمام الزحف العسكري لـ”طالبان”، التي تتصرف على أساس أنها قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى كابول. وها هي وفودها تجول في البلدان المجاورة لشرح وجهة نظر الحركة من التطورات والبعث برسائل طمأنة.
وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني، صريحاً عندما قال قبل أيام، إن الانسحاب الأميركي “المتسرع” كان السبب في تحقيق “طالبان” هذه المكاسب العسكرية السريعة. ومن المؤكد أن حسابات واشنطن لا تتطابق مع حسابات كابول منذ أن قررت التحدث مباشرة إلى “طالبان” وعدم الممانعة في مشاركتها السلطة أو بالأحرى العودة إلى السلطة بالكامل، شرط ألا تستخدم الأراضي الأفغانية، منطلقاً مرة أخرى لضرب الأراضي الأميركية مثلما حدث في 11 أيلول (سبتمبر) 2001. هذا هو الخط الأحمر الذي رسمته أميركا لـ”طالبان”، إما في ما عدا ذلك، فلا تكترث الولايات المتحدة كثيراً بما ستؤول إليه الأوضاع بعد الإنسحاب الأميركي. والغارات الجوية الأميركية التي تحصل الآن على بعض مواقع “طالبان”، قد تستمر إلى حين إنجاز الانسحاب بالكامل في 31 آب (أغسطس) الجاري.
وهذا بدوره ما يضع أفغانستان في المجهول أو في أسوأ الأحوال في أيدي “طالبان” مجدداً. ويفتح هذا المجال أمام توسع نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وأمام عودة تنظيم “القاعدة” وتنظيمات جهادية أخرى، علماً أن “طالبان” نفسها تضم جماعات مختلفة بعضها يحمل فكراً لا يقل تطرفاً عن “داعش” أو “القاعدة”.
وإذا كانت أميركا انسحبت لأنها لم تعد قادرة على البقاء في أفغانستان، فإن هذا الانسحاب وضع منطقة جنوب آسيا وآسيا الوسطى وكامل شبه القارة الهندية أمام وضع جيوسياسي جديد، تماماً مثلما ترتب على الغزو الأميركي في تشرين الأول (أكتوبر) 2001. وكل الدول المحيطة بأفغانستان تراجع حساباتها وتتخذ من الاحتياطات قدر الإمكان، كي لا تدفع ثمن الانسحاب الأميركي.