بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – في بلد مثل لبنان تضيع الحقيقة والعدالة في كواليس السياسة والسياسيين والتركيبة الطائفية التي توفر الحماية لهم حتى ولو على حساب الوطن. وفي بلد مثل لبنان، لا تحل القضايا، حتى ولو كانت بحجم كارثة انفجار مرفأ بيروت، للأسف، عبر المسارات القضائية والدستورية، وإنما بالتسويات بدءاً من صيغة 1943 مروراً باتفاق الطائف وحتى «التسوية الرئاسية» بين عون والحريري على الرغم من سقوطها مؤخراً.
هكذا تعودنا أن نرى سير الأحداث في تاريخ لبنان الحديث، ولكن هل يمكن المساومة على دماء ضحايا فاجعة كبرى بحجم كارثة مرفأ بيروت الأموات منهم والأحياء. ولماذا بعد مرور عام على وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية وأعنفها في التاريخ، الذي حوّل نصف مدينة بيروت إلى كومة من الخراب والدمار وخلّف تركة ثقيلة من الضحايا، لا يزال اللبنانيون ومعهم المجتمع الدولي يريدون معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة عبر محاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة. اللبنانيون ما زالوا ينتظرون إجابات عن أسئلة كثيرة لهم ومربكة للطبقة السياسية، سواء في داخل الحكم أو خارجه، وبينها من أتى بهذه الكمية الضخمة من نيترات الأمونيوم (2750 طناً).. ولماذا تركت سبع سنوات وهي مخزنة في المرفأ ومن كان يعلم بها وبمخاطرها؟ وما هي أسباب الانفجار؟ أيضاً ينتظر اللبنانيون معرفة ماذا فعلت السلطات خلال عام للكشف عن الحقيقة بعد أن أصرت على إجراء تحقيق داخلي بذريعة السيادة التي تنتهك يومياً وفي كل شيء، باستثناء التحقيقات الجارية في انفجار المرفأ. الجواب بالنسبة للبنانيين.. لا شيء، ما عدا إعلان الحداد الوطني إن كان ذلك يعد «إنجازاً» لها، لكن اللبنانيين يدركون، قبل المنظمات الدولية وتقاريرها، أن السلطة هي من كانت تعرقل التحقيق طوال العام الماضي لحماية نفسها، وأنها ستستمر في العرقلة ما لم يتم إرغامها على عدم فعل ذلك، أو الذهاب بالقضية إلى مجلس الأمن.
هذا ما يفهم، على الأقل، من إزاحة القاضي العدلي السابق عن التحقيق عندما قرر استدعاء بعض السياسيين، وهذا ما يحاولون تكراره مع القاضي الذي تسلم الملف من بعده، على الرغم من أنه سلك مساراً قانونياً بتوجيهه رسائل إلى البرلمان والحكومة طلب فيها رفع الحصانات عن عدد من النواب والوزراء السابقين وإعطاء الأذونات باستدعاء مسؤولين أمنيين وعسكريين بتهم تتعلق «بجناية القصد الاحتمالي» لأنهم على دراية بوجود نيترات الأمونيوم ولم يتخذوا إجراءات تجنب البلد خطر الانفجار، حيث قامت الدنيا ولم تقعد، إذ طلب البرلمان مزيداً من الأدلة بينما رفض وزير الداخلية إعطاء الإذن باستدعاء مدير الأمن العام.
بعد عام على الكارثة المروعة، لم يتغير شيء بالنسبة للسياسيين، الذين لم يهتز لهم جفن، لا تجاه الفاجعة الكبرى ولا تجاه الشعب، الذي لا يزال يئن تحت وطأة الأزمات المتلاحقة على كل المستويات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، لكنه مع ذلك لا يزال يقاوم ويبحث عن الحقيقة والعدالة ومحاسبة كل من تسبب أو كانت له علاقة بهذه الكارثة.