بقلم: د. دانيلا القرعان – الدستور الأردنية
الشرق اليوم- وافق يوم أمس الأربعاء الذكرى الأولى الأليمة لانفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب/ أغسطس عام 2020، والذي أدى لمقتل 214 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 6500 آخرين بعد انفجار 2750 طنا من نترات الأمونيوم، ويعدّ أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم. يحيي اللبنانيون هذه الذكرى في ظل تردّ كبير للحالة الاقتصادية للبلاد وتدهور سعر الليرة لمستويات غير مسبوقة أمام الدولار وارتفاع مستويات الفقر وتعثر التحقيق في أسباب هذه الكارثة وتحديد المسؤولين عنها إضافة إلى الفشل في تشكيل حكومة تأخذ على عاتقها مسؤولية النهوض بالبلاد.
ويحيي اللبنانيون الذكرى مرور عام على الانفجار الذي أودى بحياة الكثيرين ودمر أحياء في المدينة وفاقم انهيارا اقتصاديا ينهش البلاد، مطالبين بالعدالة ومنتقدين انعدام محاسبة المسؤولين عن الانفجار المروع. وبالتزامن، تعقد الدول المانحة عبر تقنية الفيديو بدعوة من فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة، مؤتمرها الثالث منذ الانفجار «من أجل لبنان»، تأمل أن تجمع خلاله مبلغ 350 مليون دولار. ودعت أحزاب معارضة ومجموعات ناشطة تأسست خلال احتجاجات 2019 ضد الطبقة الحاكمة إلى مظاهرات في مناطق عدة من بيروت، تحت شعار «العدالة الآن».
اوصلت أصداء الانفجار إلى جزيرة قبرص، وألحق دمارا ضخما في المرفأ وأحياء في محيطه وطالت أضراره معظم المدينة وضواحيها. وعزته السلطات إلى 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ العام 2014 في العنبر رقم 12 في المرفأ. قتل الانفجار 214 شخصاً على الأقل بينهم موظفون في المرفأ وعناصر فوج إطفاء كانوا يحاولون إخماد الحريق، كما قُتل أشخاص في منازلهم جراء الزجاج المتساقط وآخرون في سياراتهم أو في الطرق والمقاهي والمحلات. ودفنت عائلات كثيرة مجرد أشلاء بقيت من أبنائهم.
وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادرا، ولم يحاسب أي من منفذيها، ما زال اللبنانيون ينتظرون أجوبة لتحديد المسؤوليات والشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم. وأعلنت السلطات الأربعاء يوم حداد. لكن لا مشاركة رسمية لأي مسؤول.
إن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى. لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف اليوم عائقا أمام استدعاء نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية تبين أنهم كانوا يعلمون بمخاطر تخزين كميات هائلة من نترات الأمونيوم في المرفأ ولم يحركوا ساكنا لإخراجها منه، إلى التحقيق. وبعد نحو خمسة أشهر على تسلمه الملف إثر تنحي قاض سابق بسبب ضغوط سياسية، أعلن بيطار الشهر الماضي عزمه استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كمدعى عليه، ووجّه كتابا إلى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة عن ثلاثة نواب شغلوا مناصب وزارية، كما طلب الإذن بملاحقة قادة أجهزة أمنية وادعى على قائد الجيش السابق.
انهيار غير مسبوق، وعمقت كارثة الانفجار وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف العام 2019 وصنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة خلال عامين.
ويهدف المؤتمر الدولي إلى تأمين أكثر من 350 مليون دولار للاستجابة لحاجات السكان وسيشارك فيه عدد كبير من الدول بينها الأردن والسعودية وقطر والولايات المتحدة وغيرها، ومنذ انفجار المرفأ، يقدم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة إلى اللبنانيين من دون المرور بمؤسسات الدولة المتهمة بالفساد والهدر. وبالرغم من الأزمات المتلاحقة، فشل المسؤولون اللبنانيون بالتوصل إلى اتفاق يتيح تشكيل حكومة منذ استقالة حكومة حسان دياب إثر الانفجار، والتي لا تزال تقوم بمهام تصريف الأعمال. وفي 26 تموز/ يوليو، كلف رئيس الجمهورية ميشال عون رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة بعدما فشلت محاولتان سابقتان في ذلك. ولم تنجح الضغوط الدولية التي مارستها فرنسا خصوصا، في تسريع ولادة حكومة يشترط المجتمع الدولي أن تقبل بإصلاحات جذرية مقابل تقديم دعم مالي للبنان.
سيسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجمع أكثر من 350 مليون دولار من المساعدات للبنان خلال مؤتمر للمانحين يحيي الذكرى السنوية لانفجار مرفأ بيروت، وإرسال تحذير آخر إلى النخبة السياسة اللبنانية المتناحرة. وبعد مرور عام على انفجار هز ميناء العاصمة وأغرق لبنان في أزمة اقتصادية، لم يشكل الساسة بعد حكومة قادرة على إعادة بناء البلاد على الرغم من الضغوط الفرنسية والدولية.