بقلم: نجيب يماني – عكاظ السعودية
الشرق اليوم– سرقة المياه وتعطيش الشعوب سياسة تتبعها بعض الدول والحكومات المسكونة بالحرب والدمار وأحلام السيطرة واستعراض القوة، تحركهم قوى خفية تسعى لمصالحها الخاصة، يسعدها أن لا يعيش الكوكب في سلام، مثل سرقة إثيوبيا مياه نهر النيل، رغم التحذيرات المتكررة من خطورة فرض الأمر الواقع على دولتي المصب مصر والسودان، وما يسببه من أضرار بليغة على الأرض وناسها.
كذلك ما تقوم به تركيا من بناء سدود ضخمة على منابع الفرات لسرقة مائه مما أثّر على حصة سوريا والعراق من المياه، وسرقة إسرائيل مياه نهر اليرموك ونهر الأردن ونهر الليطاني في لبنان، واليوم تسرق إيران مياه نهر كارون وتحوّل مجراه بعيداً عن إقليم الأحواز العربي المحتل إلى فضاء أصفهان والمناطق الواقعة في الشمال الشرقي من الإقليم، مما أدى إلى تجفيف الأراضي الزراعية وشح مياه الشرب وبالتالي ثورة سكان الأحواز.
منذ وصول الخميني إلى إيران بشرِّه وحقده على كل ما هو عربي، قام بمجزرة كبيرة ضد العرب في الأحواز في عام 1979م واعتقل المرجع العربي محمد كاظم الخاقاني وفرض عليه الإقامة الجبرية وأعدم في عام 1986م في مدينة قم، إضافة إلى الكثير من الاعتقالات والإعدامات في هذا الجزء العربي المحتل من قبل النظام الإيراني.
رغم أن الأحواز كانت عربية منذ أيام العيلاميين والسومريين والكنعانيين كما حكم من قبل الخلافة الإسلامية -منذ هزيمة الفرس وكسرهم في معركة القادسية- حتى انتقل حكم الأحواز إلى الدولة الكعبية برئاسة الأمير خزعل الكعبي الذي وجّه إنذاراً إلى الدولة الإيرانية بعدم التدخل في شؤون دولته الداخلية، وفرض دفع الضرائب وطوّر الأحواز عمرانياً وافتتح المدارس واهتم بالعلم والعلماء فقربهم من مجلسه وأدناهم منه وشجع الأدب والشعر حتى وصفه أمين الريحاني بـ(فيلسوف الأمراء) وطوّر علاقاته مع دول الجوار آنذاك وكان له سفراء في دولة الكويت ومملكة البحرين وغيرهما. والأحواز جغرافياً تفصل بين دولة فارس وبين الخليج العربي ولم تكن تابعة لإيران في يوم من الأيام.
وبما أن إحدى مصائب العرب ومشاكلهم هي السياسة الاستعمارية الغربية التي تراعي مصالحها فقط ارتأت الدول الغربية بزعامة بريطانيا العظمى آنذاك تقوية دولة فارس لتكون حاجزاً منيعاً بينها وبين روسيا فتحالفت بريطانيا مع شاه إيران في عام 1925م وقامت بخطف الأمير خزعل من يخته في شط العرب ونقله إلى سجن في طهران حتى تمت تصفيته على أيدي رجال الشاه، وفرضت إيران سيطرتها على إقليم الأحواز وضمته إليها وغيرت اسمه من الأحواز إلى (خوزستان) مثل ما حدث مع الإمارات في جزرها الثلاث المغتصبة حتى الآن، وبعقلية الحقد والتشفي المترسبة في النفسية الفارسية تم طمس الهوية العربية لدولة عربستان وتم تغيير الأسماء العربية للمدن إلى أسماء فارسية فتم تغيير عاصمة الأحواز المحمرة العربية إلى (خرم شهر) الإيرانية وكذلك إمارة الأحواز العربية إلى (خوزستان) وأجبروا السكان على تغيير الزي العربي وأخضعوهم للتجنيد الإجباري ومنعوهم من تولي المناصب العامة وحكم مناطقهم ومنعهم من التمثيل البرلماني، بل إنهم استولوا على أراضيهم الزراعية والبترولية الغنية وطمسوا هويتها العربية تماماً. وحاربوا اللغة العربية وحظروها، كما منعوا افتتاح المدارس النظامية إضافة إلى ندرة فرص العمل وتكريس الدونية للعرق العربي وانعدام كل مظاهر الحياة الكريمة من تعليم وصحة ووظائف عامة، في انتهاك واضح لحقوق الإنسان الذي تتشدق به المنظمات المأجورة فلم يسمع لهم صوت استنكار لما يحدث.
لم يكتفِ نظام ولاية الفقيه بكل ما أحدثه في الأحواز من تغيرات على الأرض لصالحة ونهب لثرواته الطبيعية وإذلال العربي بالسجن والترويع والخوف، وإمعاناً في حقده جفف أنهار الأحواز وحوّل مجراها إلى العمق الإيراني، وعندما أراد شعب الأحواز الاحتجاج ومعارضة هذا الإجراء التعسفي خوفاً من العطش والجفاف استخدمت إيران الرصاص الحي فقتلت حتى الآن العشرات من الأحوازيين غير الجرحى وقامت بقطع الإنترنت لحجب ما يجري عن أنظار العالم.
ولكن أمريكا ومن ورائها دول أوروبا يغضون الطرف عن كل تجاوزات الملالي وأتباعهم في لبنان واليمن والعراق وسوريا وما يحدثه الحرس الثوري من دمار وطائفية وقتل وتدمير من أجل عيون تجديد الاتفاق النووي وإيران تتمنع.
لعل التاريخ يعيد نفسه، فإيران تسعى اليوم لقتال طالبان عن طريق جماعة مسلحة تسمى (الحشد الشيعي)، بالإضافة إلى مسلحي (فاطميون) بعد انسحاب أمريكي غبي من أفغانستان، فالغرور الإيراني أوحى للملالي أنهم قادرون على وقف التمدد الطالباني عن طريق التدخل في الشؤون الأفغانية وتجنيد أبناء المناطق الشيعية وإرسال مليشيات لبث الفرقة وإذكاء الطائفية، ولعل هذا التدخل في أفغانستان وتطور ثورة الأحواز لتعم كل إيران وفشل مفاوضات فينا واستخدام إسرائيل قوتها لضرب إيران وأتباعها في سوريا والعراق وفي البر والبحر وانتفاضة الشعب الإيراني الذي يعاني الكثير من حكم ولاية الفقيه وتنازع الملالي تكون كلها عوامل متعددة لزوال دولة الخميني الإيرانية بإذن الله كما سقطت الدولة الصفوية سنة 1722م على يد الأفغان نتيجة ظروف مشابهة من هجمات خارجية قام بها الأوزبك على بعض المدن، إضافة إلى الفتن والاضطرابات وانفصال بعض الجماعات داخل الدولة الصفوية مما أدى إلى دخول محمود الأفغاني حاكم أفغانستان أصفهان واحتلالها فسقطت الدولة الصفوية في عام 1722هـ.