الرئيسية / مقالات رأي / تونس… الفرصة الأخيرة

تونس… الفرصة الأخيرة

بقلم: خيرالله خيرالله – النهار العربي

 الشرق اليوم- الى ما قبل فترة قصيرة، كانت تونس بلداً آمناً ومزدهراً. بقيت كذلك الى أن اندلعت “ثورة الياسمين” التي أطاحت زين العابدين بن علي الذي امتد عهده من خريف عام 1987 الى بدايات 2011. هل لا يزال ممكناً الرهان على “ثورة الياسمين” في ضوء التحديات التي واجهتها والتي غيّرت وجهتها؟

الجواب أنّ هناك فرصة أخيرة أمام تونس كي تستعيد مؤسساتها والقيم التي قام عليها البلد، بما في ذلك الحقوق التي تتمتع بها المرأة.

على الرغم من كلّ الأذى الذي لحق بتونس واقتصادها في أعقاب رحيل بن علي مع أفراد عائلته، لم يُفقد بعد الأمل نهائياً بالبلد ومستقبله، وذلك خلافاً لما عليها الحال في ليبيا أو اليمن. لا يمكن مقارنة تونس، بصفة كونها بين الدول التي ضربتها عاصفة “الربيع العربي”، سوى بمصر التي وقفت في وجه “الإخوان المسلمين” والتقطت أنفاسها مجدّداً في منتصف عام 2013.

تظلّ سوريا حالة منفصلة عن هذا السياق، سياق “الربيع العربي”، نظراً الى أن ما حدث في هذا البلد كان ثورة حقيقية لشعب قمعه نظام أقلّوي ما يزيد على نصف قرن، وحرمه من حدّ أدنى من الكرامة والحقوق. ستستمرّ الثورة السورية، التي مرّ عليها عقد من الزمن، سنوات أخرى. يعود ذلك الى أن الاستسلام ليس خياراً أمام الشعب السوري ولا يمكن أن يكون كذلك في ظلّ نظام فئوي لا حلول لديه لمشكلات البلد ولا يعرف سوى لغة القمع.

يحاول الرئيس قيس سعيّد حالياً إنقاذ “ثورة الياسمين” أو ما بقي من تونس، بعدما تبيّن أنّ تلك الثورة الشعبيّة التي كانت فاتحة “الربيع العربي” وقعت ضحيّة استغلال “الإخوان المسلمين” الذين تمثّلهم “حركة النهضة” التي يسيطر عليها الشيخ راشد الغنوشي ذو العلاقات المعروفة مع قوى إقليميّة مثل تركيا. لديه نهج معروف هو نهج “الإخوان المسلمين” الذين لديهم شبق ليس بعده شبق بالسلطة.

تخوض تونس معركتها الأخيرة من أجل المحافظة على نفسها. ما يجري حالياً هو فعل مقاومة يبديه المجتمع المدني في تونس الذي عاش سنوات طويلة في ظلّ مبادئ حضارية فرضها الحبيب بورقيبة الذي لم يعرف كيف ينسحب، في الوقت المناسب، من الرئاسة، ويعدّ الساحة لخليفة له يحافظ على إرثه.

ما فشل فيه بورقيبة الذي فرض نفسه “رئيساً لمدى الحياة”، فشل فيه أيضاً خليفته الذي وقع ضحيّة زوجته الثانية ليلى طرابلسي وأفراد عائلتها. لم يعرف بن علي كيف يطوّر النظام التونسي. لا شكّ بأنّه حقق، نسبياً، نجاحاً اقتصادياً. كانت مشكلته الدائمة في أنّه تصرف كضابط شرطة لا كسياسي يتطلّع الى مستقبل تونس والى نظام ديموقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع. جاء رضوخه لليلى طرابلسي في السنوات الأخيرة من عهده، لينهي أي أمل بتغيير حقيقي في تونس.

من عهدي بورقيبة وبن علي، بقيت الدولة العميقة. بقيت أيضاً قوانين عصرية واقتصاد قابل للحياة مبني على الصناعات التحويليّة والسياحة والزراعة وخدمات في مجالات مختلفة. بقي أيضاً نظام تعليمي شبه معقول سمح ببروز رجال أعمال مصرفيين تونسيين مبدعين. بقيت أيضاً المرأة التونسيّة التي قرّرت الدفاع عن حقوقها. بقيت أخيراً المؤسسات الأمنيّة للدولة، بما في ذلك الجيش الذي لم يتدخّل أواخر عام 2010 وبداية 2011 كي يبقى زين العابدين بن علي وزوجته في السلطة. انحاز الجيش وقتذاك الى “ثورة الياسمين”… الى الشعب النونسي. نجده ينحاز اليه مجدّداً في أيّامنا هذه.

ليس قيس سعيّد سوى رمز للمقاومة الشعبيّة الواسعة لفكر متخلّف أراد راشد الغنوشي، الإخونجي الذي يتظاهر بالحداثة، فرضه على بلد كان واعداً. لعلّ أخطر ما قامت به “حركة النهضة” منذ إبعاد بن علي يتمثّل في حشر عناصرها في مختلف إدارات الدولة، بغية تضخيم القطاع العام الذي فقد الكثير من فعاليته وبات عبئاً على الاقتصاد التونسي.

تظاهر الغنوشي في طريق عودته الى تونس بالزهد. قال في بيان أصدره عشية سفره :”أنا عائد الى بلدي الحبيب غداً إن شاء الله، وكما صرحت في العديد من اللقاءات الصحافيّة والتلفزيونيّة، فإنّي لا أنوي الترشح لأي انتخابات رئاسية وبرلمانيّة، ولا أسعى لأي منصب. كل ما أريده هو أن أستنشق هواء بلدي الذي حُرمت منه لأكثر من عشرين سنة..”.

هذا جانب مما غرّد به الغنوشي رئيس مجلس النواب التونسي الحالي، الذي جمّد رئيس الجمهوريّة نشاطه في الخامس والعشرين من الشهر الماضي موقتاً، كي يوقف المسرحيّة الهزلية التي شهدها البرلمان على حلقات في ظلّ رئاسة الغنوشي له.

ثمّة أمل في تجاوز تونس محنتها. يعود الفضل في ذلك الى عوامل كثيرة. من بين هذه العوامل إدراك الشعب، بأكثريته، أن هناك فرصة أخيرة متاحة من أجل إنقاذ البلد. ما حدث يوم 25 تمّوز (يوليو) 2021 لم يكن “انقلاباً” كما يدّعي الغنوشي وآخرون. ما حدث كان سعياً الى استغلال الفرصة الأخيرة المتاحة كي تعود تونس الى أهلها ولا تتحوّل الى ليبيا أخرى أو الى يمن آخر…

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …