بقلم: رشيد الخيّون – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم– أحسبها بارقة أمل، أن تتابع المنهوبات مِن تاريخ وادي الرافدين، ولا أقول المسروقات، فالنهب أشد جرماً، يحصل بالاستقواء والحَرابة، ويُقال: «السَّلب والنَّهب»، فهما رديفان. هذا ما حصل للآثار العِراقيَّة بعد فتح بوابات المُتحف العِراقيّ في(يوم 9 أبريل 2003)، بدخول الجنود الأميركان محاطين بزفة المستشارين والمترجمين مِن أميركان ولبنانيين وعراقيين. كان الهجوم على المُتحف مِن قِبل الغوغاء يوماً مشهوداً، كهجوم الضباع على فريسة. توارى في تلك اللحظة العِراق واسمه وخارطته، كلٌ يفكر بالغنيمة. كانت الآثار أنفسها، فالإناء النُّذري ليس له ثمن، أشياء غير قابلة للبيع والشّراء.
مِن هذا الألم، تلقينا ما صرح به وزير الثقافة حسن ناظم، حال هبوط الطائرة ببغداد وهي تحمل التاريخ (29 يوليو2021)، بسرور وإعادة شيء مِن الثقة في هذا الوطن، بعد بلوغ اليأس ذروته، وما نكتبه ناقدين وناقمين فهو وجع دَفين مِن تمادي القتل والفساد، وإلا أي ومضة أمل تطربنا. قال الوزير: «اليوم عدنا من واشنطن، في سفرة موفقة مع رئيس مجلس الوزراء ومعنا 17 ألف قطعة أثرية، مستردة في أضخم عملية استرداد لآثارنا».
تبعه الوزير السابق الآثاري عبد الأمير الحمداني، كاتباً: «الآثار التي استعيدت مؤخراً من واشنطن عملنا على استعادتها منذ سنوات، وكان المفترض أنْ أذهب شخصيّاً لاستعادتها، في شهر العاشر من سنة 2019، ولكن الظروف المعروفة، التي مر فيها البلد في حينها حالت دون ذلك». لا نأخذ الأمر منافسة بين الوزيرين، وإن كانت المنافسة في إيجاد الأمل نفعاً، وليت الآخرين يتنافسون على خدمة الوطن المكلوم بماضيه وحاضره، لا على النهب والسلب. أوضحت رسالة الأكاديمي الحمداني أن سعي وزارة الثقافة كان متواصلاً، حتى أنتج ثماره، وكان للآثاريين دور محمود في ملاحقة الناهبين: مدير المتحف العِراقي الأسبق دوني جورج(ت: 2011)، والآثارية لمياء كيلاني(ت: 2020)، وغيرهما مِن أصحاب التخصصات والضمائر، فالتّخصص كارثة إذا لم يصاحبه الضمير.
قرون والعبث بالآثار كان جارياً، ولم يدرك العراقيون عُمق الأسلاف الساميين والسومريين، إلا بقدوم بعثات التنقيب الغربية(سوسه، تاريخ حضارة وادي الرافدين). بدأ المُتحف بغرفة أفردتها المسس بيل(ت: 1926) لحفظ الآثار، وما اشترطه ساطع الحصري(ت: 1968) مدير الآثار الأسبق، من مناصفة الآثار مع المنقبين(الحصري، مذكراتي في العِراق).
وإلا فالعبث بالإرث النَّفيس كان جارياً، فبناء مدينة واسط، ثم بغداد المدورة، ومن قبل شيد المحتلون الفُرس طاق كسرى بأحجار عمران ما قبل التاريخ، حتى تحولت مناطق إلى مقالع للأحجار. وأبحرت خلال الاحتلال العثماني في «دجلة الكثير من السفن والأكلال المسروقة بالمنحوتات»(مجلة سومر) إلى المتاحف الأوروبية.
ما زال ملف الآثار مفتوحاً، فحسب إحصاء السبعينيات يوجد(6555) موقعاً(أطلس المواقع الأثرية بالعراق 1976)، أرض تختزن الثّلاث: كنوز الأولين والنِّفط والماء! فتصوروا استرداد (17000) أثر، فما الضَّائع مِن المنهوبات، وما عدد المخزون؟!
هذا ملف الآثار، أما ما نُهب مِن الأرشيف الوطني، وما بيع برخص التّراب مِن أعمال الفنانين الرواد، لا يُحصى. ليكن استرداد الآثار بارقة أمل باسترداد ماضي العِراق وحاضره! فلا لومَ على ناهبٍ بلا ضمير، والقول لأحمد شوقي(ت: 1932): «قِفي يا أُختَ يوشَعَ خَبِّرينا/ أحاديثَ القُرون الغابرينا(ومنها) ونَأْبَى أَنْ يَحُلَّ علَيهِ ضَيمٌ/ ويَذهبَ نَهبُهُ للنَاهِبينَا/ أمَن سَرَقَ الخَلِيفَةُ وهوَ حَيٌّ/ يَعِفَّ عَن المُلوكِ مُكفَّنيَا؟»(الشَّوقيات: توت عنخ آمون).