بقلم: إميل أمين – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- مساء الثلاثاء الماضي، وضع الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، العالم أمام حافة هاوية مخيفة، ففي خطاب له استمر نحو نصف ساعة، وأمام مجمع الاستخبارات في واشنطن، أطلق تحذيراً مخيفاً، حول الاختراقات السيبرانية التي تتعرض لها الولايات المتحدة، والتي تصاعدت بشكل كبير مؤخراً، ومن الوارد جداً أن تتحول إلى حرب كونية فعلية.
يعن للقارئ أن يتساءل: هل لتحذيرات بايدن الأخيرة علاقة بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والتي بدأت مبكراً جداً هذه المرة؟
قبل الجواب المباشر، ربما ينبغي التوقف أمام إشكالية تلك الاختراقات في الداخل الأمريكي، وقد كانت أولى تجلياتها وأشدها قسوة على الأمريكيين عامة، وعلى الحزب الديمقراطي خاصة، ما جرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، حيث لا تزال الاتهامات – وإن من غير دليل – على تلاعب الروس بإيميلات حملة هيلاري كلينتون، ما جعلها تخفق، وأوفى الحظ لمنافسها دونالد ترامب.
الاختراق الثاني الكبير، جرت به المقادير في أواخر عام 2019، وقتما كان بايدن رئيساً منتخباً، ولا يبدو أن ملامحه ومعالمه قد تم الإفراج عنها بالمرة لخطورة وفداحة ما حدث، وقد توعد بايدن يومها بعقاب صارم لمن يقف وراء تلك العملية، لا سيما أن هناك شكوكاً جذرية في أن القراصنة السيبرانيين، قد اخترقوا وزارات الخزانة والخارجية والتجارة، وربما مواقع ومواضع أمنية.
لماذا يطفو اليوم مصطلح الأمن السيبراني على سطح الأحداث، وتفتح مساراته ومساقاته الطريق أمام حرب عالمية جديدة، قد تكون فصولها معروضة الآن بالفعل على الساحة الدولية؟
باختصار مفيد، لأن شبكات التواصل الإلكتروني باتت هي من ينظم وينسق بل ويراقب ويتحكم في دفة غالبية الأنشطة الإنسانية، بدءاً من آليات الدفاع وصولاً إلى منطلقات الهجوم، ومن بورصة الأوراق المالية إلى مجال الرحلات الجوية، وكما باتت فكرة المعلومات المنتقلة عبر الأثير مجالاً لحياة إنسانوية أنفع وأرفع، أصبحت في الوقت عينه مهددة لأمن البشر وسلامهم إذا تم التلاعب بها، ما أدى إلى ظهور قناعة عند الاستراتيجيين العسكريين بشأنها، قوامها أنها المجال الخامس في الحروب بعد البر والبحر والجو والفضاء.
رفع الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي سقف المواجهة بشكل غريب وعجيب، وما كان له أن يفعل لولا أن المقادير قد ذهبت في اتجاه أمر خطير وشأن جلل.
تابع العالم القرصنة التي تعرضت لها شركة إمدادات الوقود في الداخل الأمريكي، ما تسبب في توقف ضخ الطاقة لنحو ست عشرة ولاية، وما أدراك ما معنى ذلك في أمريكا المموطرة، أي التي تقوم الحياة فيها على المحركات.
طالت أيادي القراصنة كذلك شركات الأغذية الكبرى، واللحوم تحديداً، ما أحدث ارتباكاً كبيراً عند عموم المستهلكين من ملايين الأمريكيين.
قبل شهرين كذلك، وضع الهاكرز الأجانب أياديهم على كافة ملفات شرطة العاصمة واشنطن، ويبدو أنه لم يفك الحصار السيبراني عنهم إلا بعد دفع فدية، فيما الأمر الأخطر هو قدرة تلك العصابات الآن على معرفة أدق دقائق الحياة الشرطية وتوابعها في داخل العاصمة.
تحوم الشبهات الأمريكية حول شركة تدعي “سولار ويندز”، تلك التي أقدمت على هول كبير، إذ تمكن أفرادها من الوصول إلى حسابات البريد الإلكتروني الخاصة بوزير الأمن الداخلي السابق، تشاد وولف، وأعضاء من موظفي الأمن السيبراني، الذين تتضمن وظائفهم التعامل مع تهديدات الاختراق من الدول الأجنبية.
وبالبحث والتدقيق نجد لبايدن وجهة نظر في احتمالية تحول الاختراقات إلى حرب حقيقية، تنتقل من العالم الرقمي إلى الواقع الحي المعاصر، ذلك أن قيام إدارته في أبريل (نيسان) الماضي بطرد دبلوماسيين روس، لم يكن من فراغ، فهناك شكوك تصل إلى حد اليقين بأنهم حاولوا التدخل في انتخابات الرئاسة 2020، والآن يخططون من جديد لمعركة التجديد النصفي للكونغرس، حيث المعركة محتدمة بين الديمقراطيين والجمهوريين.
عطفاً على ذلك طفت على السطح معلومات حول اختراقات جرت لمكاتب المدعين العموميين في عدد من الولايات الأمريكية، ويصل عددها إلى 27 والعهدة على صحيفة “الغارديان” البريطانية.
هل في الأمر ردة فعل روسية خاصة تجاه ما تقوم به الاستخبارات الأمريكية على الأراضي الروسية؟
عند ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، أن الاستخبارات الأمريكية تنشط هذه الأيام في روسيا، وتسعى في الوقت نفسه للتأثير في الانتخابات التشريعية الروسية المقبلة، وهذا ما أكده بدوره رئيس لجنة مجلس الدوما للتحقق في التدخل الأجنبي بشؤون روسيا، فاسيلي بيسكاروف.
هل هي لعبة سيبرانية مخابراتية، لن تلبث أن تتحول إلى مواجهة كارثية عالمية؟
بحسب البروفيسور، فريدريك دوزيه الأستاذ في المعهد الفرنسي للجغرآسيا، فإن الولايات المتحدة قد فتحت “صندوق باندورا” السيبراني، حسب الميثولوجيا الإغريقية، واليوم لم يعد أحد قادراً على مواجهة ما به من شرور.
الخلاصة…العالم في خطر حقيقي من جراء المواجهات السيبرانية ومآلاتها المستقبلية.