بقلم: عاطف الغمري – الخليج الإماراتية
الشرق اليوم- ستبقى الصين في بؤرة النظر الأمريكية، هي الخصم والمنافس الاستراتيجي، في فترة حكم جو بايدن، على الأقل، صحيح أن الفكر الاستراتيجي الأمريكي اعتاد في السنوات الأخيرة أن يطلق على روسيا نفس الوصف، لكن يبدو أن هناك الآن ميلاً إلى التقليل من هذا الوصف بالنسبة لروسيا، وذلك نتيجة عمليات متابعة من خبراء الاستراتيجية في الولايات المتحدة، لعلامات تعاظم قدرات الصين عسكرياً، واقتصادياً، وتكنولوجياً، وما لحق بذلك من اكتسابها مؤثرات قوية على المستوى العالمي، بشكل يمكن أن يؤثر في المكانة العالمية للولايات المتحدة، وهو ما كان دافعاً للتركيز على خصم أو منافس أساسي واحد هو الصين.
إن مثل هذه التحولات في مواقف القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، ليست حدثاً نادراً، لكنها حدثت نتيجة أوضاع دولية حين ترى القوة الكبرى، أن هناك فرصة أمامها لو أنها تواءمت معها، وأدخلت تغييرات في مواقفها منها، وهو ما حدث في عهد الرئيس نيكسون في السبعينات، وفي أجواء اشتداد الخلافات الأيديولوجية بين الولايات المتحدة والصين، عندما كلف نيكسون، وزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر، لفتح قنوات اتصال مع الصين، فيما أطلق عليه وقتها «دبلوماسية البنج بونج»، وعلى إثر ذلك حل الهدوء على الصراع بينهما، وبدأت مرحلة مهمة من التحسن في العلاقات بين أمريكا والصين، شملت انفتاحاً تجارياً واسع النطاق، إضافة طبعاً إلى الخطوة الأهم، وهي إقرار أمريكا بأحقية تمثيل الصين في الأمم المتحدة، وعضويتها في مجلس الأمن.
ومع توالي عهود الرؤساء الأمريكيين، أخذت العلاقات تراوح بين التقارب والتوتر، نتيجة إدراك أمريكا أن صعود الصين اقتصادياً، لا يتوقف عند حد بناء الدولة داخلياً، أو تزايد نفوذها في مناطقها الإقليمية فقط؛ بل إنه يمثل تمدداً إلى مستوى أكبر، ودخولها معترك المنافسة مع أمريكا على النفوذ عالمياً.
والآن يشعر بايدن بالقلق من مؤشرات تشير إلى بدايات يمكن أن تؤدي إلى تحالف بين الصين وروسيا، قد يدفع إليه وضع أمريكا لهما معاً في قائمة الخصم والمنافس الاستراتيجي.
ومن ناحيته يدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الصين تمثل الهاجس الذي يقلق الولايات المتحدة منذ سنوات، وأنها تريد احتواء صعود الصين، ليس فقط بإجراءات تتخذها بمفردها، وإنما حشد أطراف من حلفائها في الغرب، لتشكل تحركاً مشتركاً تجاه الصين، ولو أمكن تحييد موقف روسيا تجاه هذا الهدف، وإن كان ذلك ليس مضموناً تماماً.
ولعل بايدن قد ألمح إلى هذا التفكير من جانبه عندما ذكر أثناء لقاءاته مؤخراً مع قادة الاتحاد الأوربى، أن روسيا ليست منافساً استراتيجياً بصورة مباشرة بالنسبة لأمريكا، لكنها لاعب رئيسي في الصراع الاستراتيجي العالمي الذي يتزايد فيه اهتمام الولايات المتحدة بالصين، وفى نفس التصريح أقر بايدن بأنه يعتبر بوتين خصماً قديراً.
وحين عقدت قمة جنيف بين الرئيسين الأمريكي والروسي، فإن بعض تحليلات المتابعين للقمة، أشارت إلى أن جزءاً مهماً من النتائج التي يمكن أن تترتب على قمة جنيف، تتوقف على احتمالية عدم قيام نوع من التحالف بين الصين وروسيا، وهذا يعني أن الصين لم تكن بعيدة عن حسابات بايدن، عندما اقترح عقد قمة بينه وبين بوتين، على الرغم من أن تفاصيل العلاقة بين البلدين، والتوترات الشديدة التي ألمت بهذه العلاقة، كانت هدفاً أساسياً للقاء القمة الأمريكية الروسية.
في نفس الوقت كانت هذه القمة فرصة للرئيسين، لكي يستطلع كل منهما وبصورة مباشرة، ما يدور في عقل الآخر، وهو ما وصفته تغطيات صحفية عدة، بأن لقاءهما كان لحظة استرخاء للعلاقات بين البلدين، وإن كان أيضاً لحظة انتهزها بايدن لاستكشاف كل ما يدور في الفكر الاستراتيجي لبوتين، بالنسبة لكافة القضايا والمشاكل الدولية، بما في ذلك بالضرورة رؤيته لعلاقته بالصين، وإذا كان بايدن يريد استكشاف المجالات التي يمكن لهما التعاون فيها، فهو يريد أيضاً معرفة المجالات التي يكون التعاون فيها مستحيلاً، سواء بالنسبة لرؤية كل منهما لدوره في الشؤون العالمية، أو لعلاقاته مع قوى دولية أخرى.
هنا لا تعد مسألة جذب أمريكا لروسيا إلى ناحيتها بالنسبة للصراع مع الصين، مسألة مضمونة لبايدن، فالعلاقة الأمريكية الروسية حتى ولو دخلت مرحلة التهدئة والتعاون، فإنهما يعدان قطبي صراع مستمر خاصة في مناطق تتباعد فيها مصالحهما.
ولا يفترض أن تضحي روسيا بعلاقتها بالصين، لمصلحة علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ليس من طابعها الثبات والاستمرارية، والاحتمالات قائمة في تجدد الخلافات في أي وقت.