الرئيسية / مقالات رأي / The Washington Post: “نوردستريم 2” والعلاقات الأمريكية- الألمانية

The Washington Post: “نوردستريم 2” والعلاقات الأمريكية- الألمانية

بقلم: أندرياس كلوث

الشرق اليوم- قبل أشهر قليلة من اعتزالها السياسة، توجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن. هذا الحدث سيُرتب على نحو يُظهر عودة الانسجام إلى العلاقات العابرة للأطلسي بعد أربع سنوات من الفتور والجفاء في عهد سلف بايدن، دونالد ترامب. ولكن للإبقاء على تلك المظاهر، سيخفي الأميركيون شعوراً غامراً بخيبة الأمل، والألمان شعوراً متزايداً بالقلق.

بطرق مختلفة، كان كل من ميركل وبايدن نقيضي ترامب في أشياء كثيرة، ليس أقلها تشبثهما بالعمل الدولي متعدد الأطراف والتعاون بدلاً من القومية. ولهذا، كان بايدن وفريقه يأملان في مظهر كبير للدعم من ميركل.

ولكن بدلاً من ذلك، تجاهلت بايدن مرتين بطريقتها المعروفة المضمرة الخاصة بها. الإهانة الأولى وقعت في ديسمبر، قبل أسابيع قليلة فقط من أداء بايدن قسم تولي الرئاسة، عندما دفعت باتفاقية استثمار بين الصين وأوروبا إلى مرحلتها التالية – من دون حتى التشاور مع فريق بايدن. وبدلاً من أن تساعد واشنطن على كبح بكين، أرادت ميركل أن تبقي أوروبا على خياراتها مفتوحة.

والتجاهل الثاني والأسوأ هو رفضها الاقتراب ولو قليلاً من المطالب الأمريكية التي تُعد موضع إجماع الحزبين بخصوص خط أنابيب غاز مثير للجدل قيد الإنشاء حالياً من روسيا إلى ألمانيا. خط الأنابيب هذا، الذي يدعى “نوردستريم 2” وبلغت نسبة اكتمال الأشغال فيه 90%، يضاعف كمية الغاز التي تستطيع روسيا تصديرها بشكل مباشر تحت بحر البلطيق إلى شمال غرب أوروبا.

وإذا ما أضيف إلى “تركستريم”، وهو خط أنابيب روسي جديد يمر عبر البحر الأسود إلى جنوب شرق أوروبا، فإن “نوردستريم 2” يكمّل هدفاً استراتيجياً لطالما سعى إلى تحقيقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ذلك أنه في المستقبل، سيستطيع هذا الأخير، إن أراد، الالتفاف على أوكرانيا وبلدان أخرى في أوروبا الشرقية وقطع الغاز الذي يتدفق الآن عبرها. وهو ما من شأنه حرمان تلك الحكومات من رسوم عبور هي في أمس الحاجة إليها، ما يتركها معزولة وعرضة للابتزاز ، أو ما هو أسوأ منه.

التهديد الجيوسياسي الذي يطرحه “نورستريم 2” يبدو واضحاً بما يكفي لبولندا، وجمهوريات البلطيق، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي، وحلفاء آخرين، الذي يعارضون جميعاً خط الأنابيب إلى جانب الولايات المتحدة. غير أن الألمان يواصلون دفن رؤوسهن في الرمل مثل نعام جيوسياسي. وعلى نحو يصعب تصديقه، تقول ميركل إن المشروع هو مشروع تجاري خالص يستحسن تركه للقطاع الخاص.

وفي محاولة في اللحظة الأخيرة لوقف مشروع الربط، وضع الكونجرس عقوبات ضد السفن التي تضع الأنابيب، وفي مايو الماضي، أراد عقوبات أشد، بما في ذلك خطوات تستهدف أحد مديري “نورستريم 2″، وهو مواطن ألماني. غير أن بايدن أوقف تلك العقوبات، أملاً منه في عدم تعريض العلاقات الأميركية-الألمانية الأوسع للخطر ومنح المفاوضات مزيداً من الوقت. ولكن الكونجرس سيطالب بعقوبات من جديد في أغسطس المقبل، عندما سيضطر بايدن للإفصاح عما ينوي القيام به في هذا الملف.

هذا الأمر يجعل الألمان متوترين وقلقين، في الوقت الذي يدخلون فيه المرحلة الدقيقة والساخنة الممهّدة للانتخابات البرلمانية المرتقبة في سبتمبر، والتي ستفرز حكومة جديدة في غضون أشهر. والمسؤولية الآن تقع على ميركل المنتهية ولايتها خلال زيارتها إلى واشنطن – فهل قدمت للأميركيين بعض الأفكار لحل الفوضى الجيوسياسية؟

والحق أنه مما يُحسب لها أنها رعت اتفاقاً حول تمديد اتفاق الغاز الحالي بين روسيا وأوكرانيا حتى 2024. أما ما إن كان بوتين سيعمل به، فتلك مسألة أخرى. ولكن السؤال الحقيقي هو ما سيحدث بعد 2024.

أحد الخيارات المطروحة هو أن تؤكد ألمانيا أنها ستغلق الغاز القادم عبر “نورستريم 2” في حال ما أقدم بوتين على عزل أوكرانيا. ولكن ذلك يبدو أمراً مستبعداً. ذلك أن بوتين قد يعمد إلى غلق الصنابير الأوكرانية في الشتاء عندما تكون أوروبا الغربية أكثر اعتماداً على الغاز الروسي ولا تستطيع تحمل كلفة وقف “نوردستريم 2”. وعلى كل حال، ما هو المنطق في إنشاء خط أنابيب لتكميل خطوط أنابيب حالية فقط لتقول إنك تستطيع إغلاقها كلها مرة واحدة؟

والخيار الثاني هو تقوية أوكرانيا عبر مساعدتها على تطوير مصادر عائدات جديدة وبنية تحتية طاقية. وهذه فكرة جيدة حتى في غياب “نوردستريم 2″، ولكنها لن تحمي أوكرانيا. كما أنها لا تفعل شيئاً من أجل طمأنة كل البلدان الأخرى في المنطقة القلقة لأنها مهدَّدة.

والواقع أن دفاع ميركل العنيد عن “نوردستريم 2” سيمثّل عبئاً ثقيلاً لخلفها. ذلك أنه يثير عداء كل من الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين عبر إظهار سياسات بلد يزعم أنه يتصرف وفقاً لما تقتضيه مصلحة الاتحاد الأوروبي، في حين أن كل ما يهمه هو مصلحته الخاصة. كما أنه قد يحكم على أوروبا الشرقية بأن تعيش من جديد الصدمات التاريخية بين الألمان والروس.

بالاتفاق مع صحيفة الاتحاد

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …