بقلم: سالم سالمين النعيمي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – الكوارث الصحية العالمية هي ثورات تغير الدول التي تتعرض لها، وتغير خارطة تلك الدول إلى دون رجعة من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وسلوكيات الأفراد وتنقلاتهم وتفاعلهم مع الآخر وتقبل المخاطر والتعامل معها ونظرة البشر للحياة بصورة عامة. وفي ظل توفر البيانات الضخمة عن وباء كوفيد-19 لم يعد توقع المستقبل ضرباً من الخيال وجودة حياة الشعوب ستتعلق بجودة توقع خبرائها بالمستقبل وإدارة بياناتها ومصير الإنسان سيعتمد على الإقليم الذي يعيش فيه، وبالتحديد دولته وجيرانه المباشرين لتعامل مع تحديات الطبيعية القادمة وما هي قيمة الدول بالنسبة للدول الأخرى الأقوى ودارونية السياسة ببقاء الأقوى والأفضل، وسيكون هناك انتقاء للبشر والدول ولن يكون طبيعياً.
ونتعلم من التاريخ أن بعد كل حرب عالمية وكورونا هي كذلك، هناك صناعات عديدة تموت وأخرى تنهض من الرماد. وصناعات جديدة تفرض نفسها على الواقع وتعرض على سبيل المثال لا الحصر صناعة المنتجات الزراعية والحيوانية لأكبر خسائر إنتاجية في تاريخها حيث يضطر المزارعون لإتلاف ملايين الأطنان من المنتجات الزراعية ومنتجات الألبان يومياً، وهي من المفترض أن تكون كافية لتغذية العالم لمدة سنة كاملة وخسائر كارثية بين المؤسسات التجارية والصناعية الكبرى التي أصبحت أهم من الدول. وبالتالي لا بد من السيطرة على توسعها، وبالمقابل برزت شركات الأدوية واللقاحات الطبية ومختبراتها العلمية والشرائح الإلكترونية والبيولوجية وشركات قطاع التكنولوجيا والاتصالات.
وسيشهد العالم الافتراضي وتجارته واقتصاده وإعلامه تحولات، وتكون المساحة الأكبر للإنسان في ظل الجائحة من حيث أهمية تسريع الخدمات الإلكترونية والتواصل بين البشر، والتواصل بين البشر والآلة، وبين الآلة ومستويات غير مسبوقة مع الجيل الخامس والسادس من الشبكات، حيث وصلت نسبة تحميل بعض التطبيقات التي تستخدم للتواصل الاجتماعي والترفيه والتسويق بنسبة تفوق الـ 1000 بالمئة في شهور فقط.
ومن المتوقع اضمحلال منظومة الجاسوسية المتعارف عليها، وبروز الجاسوسية التجارية والصناعية والتقنية والعلمية والصحية بصورة شمولية ومتناسقة، وظهور هياكل مؤسسية خاصة بهذا العالم المبهر. ولربما تعيد الجائحة توزيع خارطة الاستثمار والتصنيع ونشر القواعد العسكرية بغرض المال والاقتصاد وتطوير المشاريع في الدول النائية والناشئة بمفهوم فخ الديون الإستراتيجية والتغلغل في صناعة القرار في تلك الدول دون تدخل عسكري وسياسي، والردع الإستراتيجي التكنولوجي، وشن حروب الخفاء كحروب المناخات والكوارث التي تبدو طبيعية، وتفويض دور الدول التي تلعب بمبدأ القادمون من الخلف والتوغل بهدوء في كل العالم.
إذاً الأزمات الكبرى التي تمس الكوكب ككل، تعيد تثبيت توجهات سابقة، كانت تواجه الضعف والتوجه الأكبر الكاسب من هذه الجائحة هو العولمة، والتي ستعود حتماً أكثر قوة وبروح جديدة، وستقوم الشركات الكبرى بتنويع مصادر السلع التي تنتجها، والتخصص المتعدد وطرق تأمين مختلفة لسلاسل الإمداد والتموين، كما ستختفي شركات الضمانات الصحية التقليدية، والتي لا ترتبط ببيانات المنظمات العالمية والحكومات والقطاع الخاص ومحركات البحث مباشرة.
وسيرتفع منسوب التشكيك العلني في المفاهيم السائدة كالتغير المناخي، حيث انخفضت بسبب الجائحة مستويات التلوث والانبعاث الكربوني في العالم، وبالمقابل الكوارث الطبيعية في تزايد غير مسبوق. وسيكون الأهم طب المستقبل وأطباء المستقبل كتوجه عالمي، وسيكون من المهم الوصول للمريض وتشخيص حالته وعلاجه في دقائق. وسيكون التعليم وممارسة المهن واقع هجين وصولاً إلى قدرة غالبية الدول على التعليم والعمل الكلي عن بعد. وستكون ساعات العمل أقل وأكثر مرونة، ويتم أتممة معظم المصانع، وسيكون الأمن الصحي ذا أهمية قصوى، وسنجد عدد مجسات اكتشاف الفيروسات والأمراض يفوق عدد الكاميرات الأمنية في الأماكن المغلقة وستتغير أنماط العمارة والبناء والزراعة والترفيه، ويبتعد السكان عن المناطق الساحلية والسهول ومتاخمة الأنهار والجبال، وفي حال عودة سكان العالم لطبيعتهم السابقة سريعاً، من المتوقع أن يكون هناك وباء عالمي آخر جاهز للانطلاق، إذا لم تكتمل البنية التحتية للأجيال الخارقة لشبكات الاتصال العملاقة.