بقلم: د. محمد البشاري – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – في الوقت الذي تتزايد فيه التساؤلات حول ماهية الأثر الاقتصادي الباقي بعد انقشاع زوبعة كورونا، وبطبيعة النتائج التي لا تنفك تلتصق بجسد «النقد»، وسياساته المرسومة، إلا أنها تمثل خطوة عميقة الأثر، ولكنها مهمة في ذات الوقت، وبخاصة في الظرفية التي ضاعفت من الاهتمام بما يسمى «العملات الافتراضية»، وذلك بسبب انتشار «تداول العملات الرقمية»، والذي يترتب عليه بيع وشراء هذه العملات، وتحقيق أرباح مالية.
وعند الحديث عن العملات الرقمية، وما يدور حولها من عمليات تداول واستثمار في «البيتكوين» مثلاً، فقد يعتقد البعض أنها إحدى «الصرعات» الحديثة الولادة، والتي تحتاج لبعض من الوقت حتى يخف وهجها وتنضم لسلسلة طويلة جداً من المستجدات التي سطعت ثم خفتت مع الوقت، ولكن الحري بالعناية في هذا الصدد أن العملة الرقمية (Cryptocurrency)، يمثل عملة افتراضية ذات شفرات مخصصة، تفتح آفاق الشراء عبر الشبكة العنكبوتية، وبأسهل الوسائل التي تأسست معها جدران حماية رقمية، تحول في كثير من الأحيان دون وقوع السرقات النقدية الإلكترونية، أو غيرها. أو كما وصف «إريك شميدت»، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، هذه العملة بالذات: «بيتكوين هو إنجاز رقمي ملحوظ، القدرة على خلق شيء غير قابل للتكرار في العالم الرقمي له قيمة هائلة، الكثير من الناس سوف يبنون الشركات على ذلك»، مما يثير تساؤلات واسعة حول مستقبل السياسة النقدية في العالم.
وتشكل العملة الرقمية، أو ما أسمية بـ «النقد الافتراضي»، موجة مكثفة وغزيرة، على طبيعة المعاملات المالية، وسياسة النقد في العالم، إذ توالدت – ولا تزال – على الساحة الافتراضية، أكثر من 6700 عملة رقمية يتمّ تداولها والتعامل معها بانتشار واسع، وذلك بحسب موقع سوق العملات النقدية (CoinMarketCap)، ناهيك عما تتضمنه هذه العملات من مميزات، تستقطب ميول «المستهلك»، والمستثمر الطامح للفائدة بأكبر قدر ممكن، حتى أن العديد منهم يتجه لترصيد ما يستطيعه من أكثر تلك العملات شهرة «البتكوين»، على مبدأ التجارة أو الاستثمار القديم بشراء قطعة أرض، وبيعها بعد فترة طويلة تكون قد تضاعفت قيمتها خلالها، وكذلك هذه العملات فهي تشكل مستقبلاً مأمولاً لدى كثر من الاقتصاديين، والمستثمرين.
وفي ظل «كورونا الاقتصاد»، المصاحب لتداعيات الأزمة الصحية الناجمة عن كوفيد-19، التي نخرت في شتى القطاعات، ومع توسع الاتجاه نحو الرقمنة لتوفير أدنى الاحتياجات البشرية، وحتى أهمها وأكثرها إلحاحاً، فإن «العملة الرقمية»، تزداد في حيز تسهيلاتها باعتبارها غير مرتبطة أو محكومة بأي جهة تتحكم فيها، مما يعني القدرة على الاستغناء عن وسيط – كالمستخدم في معاملات البنوك – إضافةً لتوفير الوقت والجهد. وفي حين تتعرض الكثير من المعاملات النقدية للاختراق والـ«تهكير»، إلا أن العملات الرقمية تعتمد على تكنولوجيا «البلوك تشين»، مما يعني حماية أعلى، وأماناً حقيقياً يحول دون الاختراق أو التزوير. وتعتبر تقنية «البلوك تشين»، بحسب شركتي(Forbes)، و(IBM) نظام سجل إلكتروني مشترك، آني، ومشفر، وغير مركزي لمعالجة وتدوين المعاملات المالية، والعقود، والأصول المادية، ومعلومات سلسلة التوريد، كما لا يتحكم بها جهة واحدة، ولا تقع السيطرة عليها من قبل جهة مغلقة، مما يدفع بالحفاظ على قوائم مقاومة للتلاعب في سجلات بياناتها، وما إلى ذلك.
إن مستقبل العملات الرقمية خطوة إلى التيار السائد، وفقاً لصحيفة (Wall Street)، ذلك أن «البيتكوين مثيرة لأنها تظهر كم يمكن أن تكون رخيصة، البيتكوين أفضل من العملة من حيث أنك غير مضطر أن تكون في نفس المكان، وبالطبع، بالنسبة للمعاملات الكبيرة، يمكن أن تصبح العملة غير مريحة»، بحسب تصريح بيل جيتس، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت.