بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- لا تهدر الصين وقتاً للتعامل مع الوضع الذي يمكن أن ينشأ في أفغانستان بعد إنجاز الولايات المتحدة انسحابها العسكري من هذا البلد، واحتمال أن تضع حركة “طالبان” يدها بالكامل على السلطة في حال عدم قدرة حكومة الرئيس أشرف غاني المدعومة من الغرب، على الصمود عسكرياً في وجه الحركة.
وتلبية لدعوة من بكين، زار وفد كبير من “طالبان” برئاسة الشريك المؤسس للحركة الملا عبد الغني برادار مدينة تيانجين، وأجرى لقاءات مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي حول مستقبل أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي. وعلى رغم أن اللقاءات خلت إلا من كلام عمومي، فإن قراءة بين السطور، تظهر سعياً صينياً إلى الإحاطة بكل الاحتمالات التي يمكن أن تطرأ بعد الانسحاب الأميركي.
هل تفكر الصين في ملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي؟ سؤال مطروح بقوة كون الصين هي القوة الوحيدة المجاورة لأفغانستان التي يمكنها أن تملأ الفراغ، ليس من الناحية العسكرية، وإنما من الناحية الاقتصادية، خصوصاً إذا ما اتجه الغرب إلى فرض عقوبات على أفغانستان في حال انفردت “طالبان” بالسلطة. عندها ستتوجه الحركة حكماً نحو الصين التي يهمها أمر واحد ألا وهو أن لا تتحول أفغانستان منصة لـ”الحركة الإسلامية لتحرير تركستان” التي تسعى إلى استقلال إقليم شينجيانغ الذي تقطنه غالبية من الإيغور المسلمين. وكان هذا أحد مواضيع النقاش بين وانغ يي ووفد “طالبان”.
ثم أن هناك مسألة أساسية تهم الصين التي توظف استثمارات بقيمة 60 مليار دولار في باكستان في سياق مبادرة الحزام والطريق، وتالياً يهمها أن لا تتعرض هذه الاستثمارات لأي مساس في حال حصل تغيير في الحكم في أفغانستان. وهنا يجب التنويه بأن العلاقات الوطيدة بين بكين وإسلام أباد، قد تشكل رافعة للصين كي تضم أفغانستان هي الأخرى إلى مبادرة الحزام والطريق وأن يكون لها دور رئيسي في إعادة بناء أفغانستان.
والأمر المؤكد أن الصين لن تفكر بخوض مغامرات عسكرية في أفغانستان، طالما التزمت “طالبان” عدم تقديم تسهيلات للإنفصاليين الإيغور. ويبقى اللجوء إلى الخيار الاقتصادي هو المرجح لاكتساب النفوذ في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
وبقدر ما تتوجس الصين من احتمالات سقوط الحكومة الحالية في كابول نظراً إلى ما سيلي ذلك من تغيير جيوسياسي في جنوب آسيا يصب في مصلحة باكستان، فإن الهند ستدخل في حسابات مختلفة وترى نفسها من الخاسرين في هذه الحالة. وكانت نيودلهي عبر العلاقات المتينة التي أقامتها مع حكومة كابول بعد الغزو الأميركي عام 2001، ترى أن ميزان القوى الإقليمي بات يميل لمصلحتها. لكن عودة “طالبان” إلى الحكم تخلط الأوراق، وتعيد الكفة الإقليمية للرجحان ناحية إسلام أباد، التي رعت نشأة “طالبان” في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وحافظت على علاقات وطيدة مع الحركة حتى بعد الغزو الأميركي، حيث كان قادة “طالبان” يتجولون بحرية في الأراضي الباكستانية.
وعندما تهرع الصين إلى التودد إلى “طالبان”، فإنها تأخذ في الحسبان أيضاً التوازن الإقليمي مع الهند، وتعتبر أن استمالة كابول إلى ناحيتها، ستؤثر في النفوذ الهندي في المنطقة، خصوصاً بعد التوتر الذي ساد العلاقات بين بكين ونيودلهي وكانت ترجمته في الأشهر الأخيرة، اشتباكات حدودية، بينما بدأت الهند تصطف إلى جانب الولايات المتحدة في مواجهتها الأوسع مع الصين. وليس أدل على ذلك من زيارتي وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين أنطوني بلينكن ولويد أوستن للهند في الأونة الأخيرة.
لا بد أن وضعاً عسكرياً وسياسياً مختلفاً سينشأ على أنقاض الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ولن تقف الصين متفرجة في لعبة الأمم الكبرى التي تخاض في هذه المنطقة من العالم.