بقلم: هيلة المشوح – عكاظ السعودية
الشرق اليوم- المتعمق في دراسة الأحزاب الأصولية والجماعات المتطرفة بكافة أشكالها وتنظيماتها لن يمر عليه حزب أكثر تشبثاً بالأهداف وأطول بالاً وصبراً وتلوناً من حزب الإخوان، الذي مضى على تأسيسه أكثر من تسعين عاماً على يد حسن البنا، ولأهداف سياسية بحتة تحت غطاء ديني وحلم الدولة والخلافة، ومع كل الصعوبات والتحولات والأحداث التي مر بها الحزب وأعضاؤه جراء أعمالهم التخريبية والإرهابية من سجون وأحكام تعزيرية وإعدامات وإبعاد وتهجير إلا أن هذا الحزب لا يزال يتمسك بأحلام مؤسسه، ويحمل على كاهله تحقيقه تبعاً للظروف السياسية التي تمر على الحزب، فإن كانت البيئة ممهدة لهم تسللوا وبطشوا وحين تكسر شوكتهم تواروا وكمنوا!
في تونس يتصدر الإخوان الحدث الأبرز من خلال حزب النهضة، الذي تسلل إلى السلطة تحت غطاء الديمقراطية والحقوق والحريات وفيها تدور رحى الحدث الأهم والأشجع منذ عشر سنوات، أي منذ انطلاق ثورات ما سمي الربيع العربي، وهو قرار الرئيس التونسي قيس سعيد القاضي بتجميد أعمال مجلس النواب الذي يترأسه راشد الغنوشي المنتمي للتنظيم الإخواني ورفع الحصانة عن نواب البرلمان بسبب الاحتجاجات التي عمت تونس تنديدا بما آلت إليه الأوضاع من تدهور على جميع الأصعدة، جراء سياسات الإخوان الفوضوية والتعسفية المعطلة لمصالح الدولة واقتصادها واستقرار شعبها، فجاء قرار الرئيس مباشرة بعد ترؤسه اجتماعاً طارئاً وتشاورات مع القيادات العسكرية والأمنية في البلاد، ما أفضى إلى انتشار الجيش التونسي تحت مظلة الدستور لحفظ الأمن والشعب والمقدرات، ثم اللجوء إلى منع الغنوشي من دخول البرلمان وعزل عدد من أعضاء الحزب من مناصبهم، فيما تحرك الشارع التونسي في مظاهرات مؤيدة لقرارات الرئيس ومناوئة لحزب النهضة الإخواني ولا تزال الأحداث حامية حتى الساعة.
الإخوان آفة السياسة في أي دولة يتمكن حزبهم منها، فالتنظيم الإخواني قائم على سياسة خفية تخالف ظاهر الحزب الداعم للحريات وحقوق الشعوب وذرف الدموع على الأوطان، كما فعل الغنوشي في منفاه إبان الثورة ٢٠١١ حتى تمكن من رئاسة البرلمان التونسي، ولكن هذه الشعارات لا تكاد أن تتلاشى بمجرد هيمنة الحزب على مفاصل الدولة وممارسة السياسة الحقيقية للإخوان بتاريخها الطويل بالإرهاب والعمليات الإجرامية ونشر الفوضى والدمار، فالتنظيم في واقع الأمر يسعى منذ تشكله التنظيمي الأول عام ١٩٢٨ إلى مشروع «شبه الدولة» كما أراد مؤسس الجماعة حسن البنا من خلال الدولة الأيديولوجية التي تنضوي تحت هيمنة قيادات متعددة تأتمر بأمر المرشد الأعلى وتحتكم إلى شريعة القمع والتطرف، فتبدأ مشروعها عبر أجهزة أيديولوجية تنفذ النشاط الناعم عبر الإعلام والأعمال الإنسانية والجمعيات الخيرية تقابلها أجهزة قمعية تشكل الرافد العنيف للمشروع الذي يوازن بين القوة والسياسة ما ينسجم كلياً مع المنهج المزدوج والمتناقض للجماعة والقائم على مبدأ التقية!
أخيراً.. ورغم هذه الروح الحالمة لدى جماعة الإخوان إلا أن تاريخهم مليء بالهوان والفشل السياسي، وما إن ينجحوا في دولة إلا سقطوا في أخرى حتى بات «التلطيش» لصيقاً بهم!