بقلم: شارل جبور – صحيفة “الجمهورية”
الشرق اليوم – في حال تشكّلت الحكومة فإنها ستكون شكلاً حكومة العهد الرابعة، ولكنها فعلاً حكومة ميقاتي الأولى في عهد عون والثالثة في مسيرته، بمعنى أنّ أي إنجاز تحققه يصبّ في رصيد رئيسها نجيب ميقاتي لا الرئيس ميشال عون. لماذا؟
الهدف الدولي من أي حكومة تجنيب لبنان المجهول والفوضى، أي وقف الانهيار المتواصل، وهذا بحد ذاته كافٍ كمرحلة أولى بانتظار أن تضع برنامجها للإصلاح الاقتصادي والتمويل من أجل التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ويرجّح أن ينجح ميقاتي في وضع هذا البرنامج والشروع في التفاوض، وخطوة من هذا القبيل تعني إعادة وضع لبنان على سكة التعافي.
وفي حال نجاح حكومة ميقاتي في بدء إخراج لبنان من الانهيار، فيرجّح أن يشكل حكومته الثانية في عهد عون بعد الانتخابات النيابية في ربيع العام المقبل، أو تستمر حكومته العتيدة كحكومة تصريف أعمال حتى نهاية العهد وما بعده. لكنّ أي نجاح تسجِّله حكومته لن يؤول إلى العهد هذه المرة، لأنه أعطي فرصة كاملة مع حكومة الرئيس حسان دياب التي كانت حكومته بامتياز من رئيسها إلى معظم وزرائها، وهي حكومة اللون الواحد والفريق الواحد، ولم يتمكن ليس فقط من وقف الانهيار، إنما تفاقمت الأزمة مع هذه الحكومة، ما يعني أنّ مفاتيح الحلول ليست بيده، فلو كان قادراً لما تردّد. ولذلك، لن يتمكن من وضع أي إنجاز في خانته، إنما ستوضع الإنجازات في خانة ميقاتي.
اختلف الوضع اليوم بين مطلع العهد حيث كانت الأنظار مركزة على رئيس الجمهورية ودوره في إدارة الدولة انطلاقاً من الشعارات والعناوين والسقوف العالية والآمال التي وضعت في عهده، وبين نهاية العهد حيث تتركّز الأنظار على رئيس الحكومة لفعل كل ما بوسعه لإعادة الاستقرار المالي، أي أنّ الرهان لم يعد على رئيس الجمهورية بعد الانهيار الذي أصاب اللبنانيين في ولايته، وعَجزه عن فعل أي شيء لإخراجهم من الأزمة، إنما أصبح على شخص رئيس الحكومة الذي يتوقّف عليه إمّا إدارة الانهيار أو إدارة عملية الإنقاذ.
وبمعزل عن المواقف السياسية التي يمكن أن يتخذها رئيس الجمهورية وفريقه في إطار التعبئة التي ينشدها في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية ونهاية ولايته، إلا أنّ الناس أصدرت حكمها بحقه في مرحلتين متتاليتين: المرحلة الأولى مع الانتفاضة الشعبية التي عصفت في وجهه اعتراضاً على ما آلت إليه أوضاعها المالية في عهده، والمرحلة الثانية مع الحكومة المستقيلة عندما أُعطي فرصة للإنقاذ ولم يفلح، فأصبح في موقع من يُكمل الولاية دستورياً من دون أي رهان على إدارته، بل كل الرهان تحوّل باتجاه السرايا الحكومية، ومن هنا العبء الكبير على ميقاتي في حال نجح في تشكيل الحكومة، حيث سيكون عملياً أمام احتمالين: احتمال ان تكون حكومته نسخة طبق الأصل عن الحكومة المستقيلة، واحتمال أن تنجح في لجم التدهور.
وكل المؤشرات ترجِّح الاحتمال الثاني لثلاثة أسباب أساسية: الأول يتعلّق بشخص ميقاتي وقدراته وشبكة علاقاته، والثاني يتصل بالعراقيل التي وضعها الفريق الحاكم أمام الحكومة المستقيلة والتي سيتراجع عن جزء منها لحاجته إلى تشكيل حكومة، والثالث يرتبط بالمجتمع الدولي الذي ينتظر ولادة حكومة من أجل مساعدتها على مواجهة الأزمة المالية.
ومن هنا سيكون لميقاتي، ودائماً في حال تشكلت الحكومة، 3 أولويات من أجل ضمان استمراره على رأس الحكومة بعد الانتخابات النيابية:
الأولى أن ينجح فعلاً في إنجاز البرنامج الذي سيتفاوض على أساسه مع صندوق النقد، وأن ينجح استطراداً في وقف التدهور ووضع البلد على سكة التعافي الطويلة، وهو يحتاج لهذا النجاح من أجل ضمان استمراره على رأس الحكومة بعد الانتخابات النيابية بعد 6 أشهر، لأن لا مبرر لاستمراره في حال لم يضع أسس التفاوض مع صندوق النقد ويفرمل التدهور، فيكون رئيساً لحكومة انتخابات لا أكثر ولا أقل، فيما نجاحه في إدارة التفاوض مع الصندوق والشروع في تحقيق بعض الإصلاحات المهمة يجعل من غير المنطقي عدم تكليفه بعد الانتخابات مجدداً بمعزل عن نتائج هذه الانتخابات والتوازنات التي ستفرزها، بل سيتكئ على عاملين أساسيين مشجعين لاستمراره في السرايا: الارتياح الشعبي لإدارته وعدم المجازفة بتغييره في ظل أولوية إخراج لبنان من أزمته المالية التي أحسَن إدارتها، والارتياح الدولي للتفاوض معه. وبالتالي، فإنّ التحدي الأساس لديه سيكون تطوير دوره من إدارة المراحل الانتقالية إلى معالجة الأزمات واجتراح الحلول، خصوصاً أنّ الحلول تشكل مطلباً شعبياً أساسياً في هذه المرحلة.
الأولوية الثانية أن يتجنّب المواجهة والصدام مع رئيس الجمهورية، وأن ينظّم الخلاف معه ويواصل تدوير الزوايا لسببين أقله: أن يُعاد تكليفه بعد الانتخابات وألّا يتكرر معه سيناريو تكليف الحريري الذي طغى عليه العامل او الخلاف الشخصي، والسبب الثاني ان يتمكّن في مرحلة قصيرة جداً من تحقيق الإنجازات المطلوبة تجنّباً لعرقلته وتفشيله، خصوصاً ان مهمته المالية دقيقة للغاية ويريد ان يخرج بإنجاز على هذا المستوى يعزِّز صورته الشعبية والدولية، كما يعزِّز الحاجة لدوره، الأمر الذي لا يُمكّنه من تحقيق ذلك سوى في مناخ حكومي مواتٍ ومشجِّع بعيداً عن سياسة التعطيل.
الأولوية الثالثة أن يُحسن إدارة الانتخابات النيابية فلا يساوم على تأجيلها، ويؤدي دور رأس الحربة في ضرورة إجرائها، ويوفِّر كل المناخات المواتية لهذه الانتخابات التي تجري في ظل تحوّل كبير في مزاج الرأي العام، وغضب استثنائي على الفريق الحاكم بعد ان خسرت الناس أغلى ما عندها: مدّخراتها ونمط عيشها. ولكن بمعزل عن حجم التحوّل الذي يمكن أن تحدثه هذه الانتخابات في المشهد الوطني، يبقى على الحكومة العتيدة مسؤولية حُسن إدارة الانتخابات والإشراف على انتقال سلس وسليم للسلطة من مرحلة إلى أخرى.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يتمثّل بالآتي: أين مصلحة العهد في تأليف حكومة تحدّ من دوره ونجاحها يصبّ في مصلحة رئيسها لا مصلحة العهد؟
لن يتهاون العهد مع تأليفٍ لا يتوافق مع مصالحه وإمساكه بناصية القرار داخل الحكومة، ولكنه لن يتمكّن من عدم التأليف لمجرّد أنّ الإنجازات ستجيّر إلى الحكومة، لأنّ عوامل القوة الثلاثة التي يرتكز عليها ميقاتي للتأليف تشكّل في الوقت نفسه ثلاثة عوامل ضاغطة على عون من أجل الإسراع في التأليف: المجتمع الدولي الذي يُعلي التأليف على أي اعتبار آخر، «حزب الله» الذي يريد حكومة، والناس التي لم تعد تحتمل الفراغ.
ولا يجب استبعاد احتمال أنه في حال نجاح عون وميقاتي في إدارة المرحلة ومواجهة الأزمة وإبرام تسوية يستفيد منها الأول برفع الضغط الداخلي والخارجي عنه، ويستفيد منها الثاني بتعزيز رصيده الداخلي والخارجي، أن تحيل الدعاية العونية الفشل الذي أصاب البلد على الحريري، وتربطها بمفعول رجعي، فيما الإنقاذ الحقيقي لا يمكن أن يتحقق سوى عن طريق مشروع سياسي جديد قوامه دولة مُمسكة بقرارها، وإدارة شفافة لهذه الدولة.
ولا شك في أنّ الأسبوع الطالع يشكل مؤشراً حاسماً لمسار تأليف الحكومة، فإذا نجح عون وميقاتي في تجاوز العقد تِباعاً ومواصلة التقدُّم فهذا يعني أنّ الحكومة ستبصر النور، وفي حال راوحت الأمور في المربّع نفسه فهذا يعني عود على بدء.