بقلم: حسن مدن – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – أذكر الآن ما قاله، قبل سنوات قليلة، وفي منتدى فكري عربي في مداخلة له، مفكر عربي بارز يمكن وصفه بـ«العلماني» عن انطباعاته عن لقاء جمعه، وآخرين، مع زعيم حركة «النهضة» التونسية راشد الغنوشي، حيث بدا المتحدث منبهراً بخطاب الغنوشي، الذي يبدو أنه أكثر من مفردات التسامح والتعددية وقبول الرأي الآخر، خاصة أنه كان يعرف مع مَن يتحدث، وهو يقول ما قال، فالأرجح أنهم كانوا جميعاً من معدن صاحبنا المنبهر بما سمعه؛ أي ليسوا من المدرسة العقائدية ذاتها التي يمثلها الغنوشي.
ساق صاحبنا كلامه هذا في سياق رأي بأن ثمة تحوّلات مهمة في البنية الفكرية للإسلام السياسي في العالم العربي، تجعل منه شريكاً موثوقاً في العملية الديمقراطية، مدللاً على ذلك بما سمعه من الغنوشي، وأذكر أنني كنت واحداً ممن قالوا للمتحدث: «لا تسحرك الأقوال.. انتظر الأفعال».
ليس هذا المفكر العربي هو الوحيد ممن انطلى عليهم مكر «النهضة» هذا، فلطالما جرى ترويج الوهم عن «النموذج المختلف» الواعد الذي تمثله، وأحسبني كتبت هنا مرة ما معناه: إن كان هناك ما يجعل «النهضة» مختلفة عن بقية النسخ «الإسلاموية»، فإن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى «الخصوصية» التونسية؛ بل نكاد نزعم أنه يعود إليها وحدها، ممثلة في ديناميكية المجتمع المدني التونسي، وما قطعته الحداثة المجتمعية من شوط لعلّه الأطول من غيره في العالم العربي، منطلقة من المداميك التي أرساها مؤسس الجمهورية الحبيب بورقيبة. وهذه الخصوصية بالذات، هي ما أجبر «النهضة» على تمويه حقيقة ما تفكر فيه، والذي لا يختلف في جوهره عن الخطاب العام لحركة «الإخوان المسلمين».
عقد كامل مرّ على تونس منذ التغيير الذي حصل في مطلع العام 2011، كانت «النهضة» لاعباً رئيسياً فيها، إن لم تكن الرئيسي، تراجعت فيه شعبيتها تدريجياً، بدليل التناقص المطرد في عدد المقاعد التي تحصدها في كل انتخابات نيابية، ولم تُفلح مكائد زعيمها في إيقاف هذا التراجع، لكن هذه المكائد أفلحت في شيء آخر، هو دفع البلد إلى الطريق المسدود الذي انتهى إليه، ما جعل أغلبية الشعب التونسي تقف مع ما أعلن عنه رئيس الجمهورية من تدابير، على الرغم من اللغط الكبير الذي أحيطت به.
«النهضة» لم تفقد ثقة الشعب التونسي وحده؛ بل ثقة الكثير من قواعدها؛ بل وكوادرها المتقدمة، حيث توالت الاستقالات من صفوفها، ومطالبة زعيمها بالتنحي عن موقع الرئاسة فيها، وإعادة النظر في كامل النهج الذي اتبعه طوال العقد الماضي، حتى إنه عمد إلى إلغاء اجتماع كان مقرراً لقيادتها بسبب احتدام الخلافات.