BY: Hamish McCray
الشرق اليوم– على المملكة المتحدة إعادة بناء علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وعلى أوروبا المبادرة بالمثل مع بريطانيا. ولا يتعلق الأمر بمجرد الترتيبات الأمنية والتجارية، على الرغم من كونهما الموضوعين الأساسيين. بالأحرى، تتعلق المسألة بالمنطق. فمن مصلحة الطرفين الخاصة أن تسود بينهما علاقات عملية مقبولة، تكون بديلاً عن تلك المشاجرات المحزنة المستمرة إلى ما لا نهاية. إذاً، كيف يمكن للمنطق أن يعاود التحكم في تلك العلاقة؟
في ذلك الصدد، تعتبر الأفكار التي قدمتها رايتشل ريفز، وزيرة حكومة الظل في حزب العمال البريطاني والمكلفة ملف وزارة الخزانة، بداية جيدة. ففي مقابلة أجرتها مع صحيفة “فايننشال تايمز”، أشارت ريفز إلى أن رئيس الحكومة بوريس جونسون يعاني “زاوية رؤية معدومة” حينما يتعلق الأمر بتحسين وتقوية العلاقات من بروكسل. بالأحرى، إن الأمر أسوأ من ذلك. إذ يستفيد جونسون من استهدافه الاتحاد الأوروبي كلما سنحت الفرصة، في التودد إلى قاعدته السياسية في البلاد، وكذلك يدأب على توجيه اللوم حيال أي نتائج سيئة لاتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) إلى عدم ليونة أوروبا وتمسكها بالحذافير القانونية (للاتفاقات). إذاً، لا تكمن المشكلة في انعدام الرؤية لدى جونسون، بل إنها حسابات برؤية واضحة لمكامن مصالحه السياسية المحلية.
في المقابل، لا يعني ذلك أن أوروبا لا تتحمل أي مسؤولية (عن تدهور تلك العلاقات). لقد لاحظنا في بداية هذا العام الخلافات التي نشأت حول اللقاحات، فالبيروقراطية الأوروبية في بروكسل يمكنها التصرف بعنف وتطبيق القوانين بحذافيرها. وقد رُفضت القضية التي رفعها الاتحاد ضد شركة “أسترازينيكا” بسبب تأخر شحنات ذلك اللقاح (إلى دُوله)، في محكمة البداية في بروكسل، لكن من الواضح أن هذا الخلاف والهجمات التي تلته على “أسترازينيكا”، ضربت الثقة بذلك اللقاح، وبطّأت وتيرة الإقبال عليه في أوروبا.
وفي وقت سابق، كشف حاكم “بنك إنجلترا” أندرو بايلي، عن الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأمور بخصوص قدرة وسط لندن المالي على خدمة السوق الأوروبية. وفي بداية هذا العام، أخبر بايلي اللجنة البرلمانية الخاصة بالخزانة أن الاتحاد الأوروبي يُصعد بشكل عنيف محاولاته نقل عمليات مقاصة المشتقات المالية بعيداً من لندن.
إذا وضعنا اللوم جانباً، تأتي الحقيقة في أنه طالما بقي بوريس جونسون رئيساً للوزراء سيكون من المستحيل أن نفعل سوى ترقيع العلاقات السيئة مع الاتحاد الأوروبي. إن الثقة مفقودة، ويتوجب انتظار ظهور زعماء جدد لدى الجانبين، كي يعاد بناء تلك الثقة. لذا، أرى أن مقترحات السيدة ريفز مفيدة جداً. إن السيدة ريفز ضليعة في الشؤون المالية، إذ شغلت وظيفة تعنى بشؤون الاقتصاد في “بنك إنجلترا” قبل انتخابها نائبة في البرلمان. نحن لا نعرف بالطبع من سيشغل منصب رئيس الوزراء المقبل في المملكة المتحدة، لكننا على دراية بحاجتنا إلى مقاربة جديدة للأمور. وبحسب ريفز، “تخيلنا بأنه سيمكننا البناء على اتفاق (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، لكن الفجوات لم تُردم”.وفي نفس مماثل، تناقش ريفز أن تلك الفجوات تشمل ضرورة مساعدة قطاع الغذاء والمشروبات في خفض نسبة المعاملات (الجمركية) بهدف تسهيل عبور المنتجات الحدود، وتوفير آليات تسهل رحلات الموسيقيين البريطانيين والفرق المسرحية عبر القارة الأوروبية، والاعتراف المتبادل بالشهادات المهنية.
واستطراداً، تراقب ريفز الأوضاع في الولايات المتحدة بحثاً عن أفكار جديدة. إذ حيت الرئيس الأميركي جو بايدن على خطته “اشتروا البضائع الأميركية” التي تهدف إلى استخدام قوة الشراء الحكومية الأميركية في اختيار [البضائع] المنتجة محلياً. وتعتقد ريفز أن ذلك ممكن من دون التأثير على قوانين “منظمة التجارة العالمية”، ومن شأنها تأمين مردود أفضل إلى دافعي الضرائب.
إن ذلك كله منطقي. ولا تأتي ريفز بجديد في حديثها عن ميل الناس نحو اختيار المنتجات المحليّة. إذ تمثلت إحدى الميزات التجارية في المملكة المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية، في الانتقال نحو شراء المنتج البريطاني. فمنذ قرارها مغادرة الاتحاد الأوروبي، عكفت بريطانيا على زيادة نسبة المواد الغذائية المنتجة محلياً. وفي 2017 أنتجت بريطانيا 50 في المئة من المواد الغذائية، واستوردت من الاتحاد الأوروبي 30 في المئة منها. [إذ استوردت بقية النسبة من مناطق أخرى في العالم]. وفي 2019، ارتفعت نسبة المواد الغذائية المنتجة على مستوى الوطن إلى 55 في المئة، وتراجعت نسبة المستورد من أوروبا إلى مجرد 26 في المئة.
وحاضراً، لا تتوفر أرقام تجارية موثوقة كي يُصار إلى تحديد ما جرى خلال العام الماضي. وفي المقابل، من المتوقع أن تكون عوامل كتذبذب سلاسل الإمداد العالمية بسبب الجائحة و”بريكست”، قد دفعت شركات كثيرة إلى محاولة الشراء من مصادر وطنية، متى أمكن لها ذلك. ويأتي ذلك كله من أجل الخير العام، ورعاية مبدأ حماية البيئة أكثر من أي شيء آخر. إذ يُعتبر قطاع الشحن الدولي من أكبر مصادر زيادة انبعاثات الكربون بعد قطاعي التدفئة وتوليد الطاقة، ويسهم بـ15 في المئة من المجموع العام في تلك الانبعاثات.
في صورة عامة، لا يكمن جوهر القضية بالنسبة إلى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، في مدى ملاءمتها للطرفين معاً، بل كيف نصل إلى تلك النقطة من هنا. إذ يتمثل المطلوب تحقيقه عملياً في سلسلة اتفاقات مفصلة، والتركيز على جوانب يتفق الطرفان على إمكانية إزالة العوائق من أمامها، واستخدام النجاح في تلك المفاوضات بهدف إعادة بناء الثقة بشكل عام.
وكخلاصة، يحتاج ذلك الأمر إلى تجديد فرق العمل من الجانبين. وقد تكون ريفز أو لا تكون ضمن أعضاء ذلك الفريق، لكنها تستحق أن يبنى على نهجها العقلاني ومفاده ألا تمزقوا الاتفاق تماماً، بل ابنوا على ما فيه ثم سيروا به نحو الأفضل.