الرئيسية / مقالات رأي / لوتان: تونس في قلب فوضى داخلية تغذيها الانقسامات

لوتان: تونس في قلب فوضى داخلية تغذيها الانقسامات

بقلم: أوليفييه بيرين

الشرق اليوم- نشرت صحيفة لوتان (Le temps) السويسرية مقال تقول فيه: إن تونس بعد 10 سنوات من سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي تعيش ساعات حالكة وشديدة التناقض بعد الحملة التي يشنها الرئيس قيس سعيد بدعوى مكافحة الفساد.

وإن القراءة الإعلامية للقفزة في الفراغ، التي أقدمت عليها تونس مؤخرا بعد ثورة الياسمين، تختلف إلى حد كبير حسب زاوية النظر والبلد الذي تعود إليه وسائل الإعلام تلك، فهناك من ينظر إلى الحدث من زاوية الهجرة، وآخر من زاوية الإسلام السياسي، ومن يراه من منظور الاستبداد مقابل الديمقراطية.

طالب سعيّد بمحاسبة 460 رجل أعمال متهمين بالاختلاس في عهد بن علي، معتمدا على تقرير سابق للجنة تحقيق في قضايا فساد واختلاس أيام “الدكتاتور” السابق الذي توفي في سبتمبر/أيلول 2019 في السعودية.

وبعد حوالي أسبوع من الاستيلاء على جميع السلطات التنفيذية بدعم من الأجهزة الأمنية، وتعليق نشاط البرلمان لمدة شهر، لم يعين سعيد بعدُ رئيسا جديدا للوزراء خلفا لهشام المشيشي الذي أقاله، واكتفى بمهاجمة من قال إنهم ينهبون المال العام.

وإن وسائل إعلام عديدة أبدت خشيتها من انزلاق تونس نحو حكم استبدادي جديد، وانتقدت ما وصفته بتقاعس أوروبا، في وقت صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن الرئيس التونسي أكد له أنه يعمل من أجل العودة إلى الديمقراطية.

حركة النهضة

وقد نوّهت مجلة “كوريي إنترناسيونال” (Courrier International) الفرنسية إلى أن راشد الغنوشي، زعيم حزب حركة النهضة ورئيس البرلمان المعلق لمدة 30 يوما، هدد باللجوء إلى الشارع، وقد تحدث الخميس لوكالة الأنباء الفرنسية “بخطاب يخلط بين السعي للمصالحة والتهديد”.

ويضيف رأي المجلة أن الغنوشي قال: إنه يفضل طريق الحوار ولكنه أيضا مستعد لمطالبة الشعب بالدفاع عن ديمقراطيته.

ونبهت المجلة إلى أن هذا التجاذب يحدث في بلد يتزايد فيه عدد المرضى والمصابين بجائحة كورونا، حيث تجتاحه موجة جديدة من الوباء منذ يونيو/حزيران الماضي، وتعاني مستشفياته من نقص في اللقاحات والأكسجين، ويقدر عدد الوفيات اليومية جراء الوباء بحوالي 100 إلى 200 شخص.

أين أوروبا؟

وفي خضم هذه الفوضى، بدا أن أوروبا التي ما فتئت تؤكد بصوت عالٍ وواضح أهمية تونس باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في شمال أفريقيا، غابت بشكل ملحوظ خلال الـ 18 شهرا من تفشي الجائحة في تونس، وتركت البلاد تغوص في أزمة عميقة، وفي المرات القليلة التي التفت إليها، كاد ذلك يقتصر على معالجة قضية الهجرة، مركزة على أحد أعراض الأزمة ومتجاهلة في نفس الوقت أسبابها في سلبية جعلتها لا إراديا جزءًا من المشكلة.

كما أن اكتفاء أوروبا بالنظر إلى تونس من زاوية خوفها من المهاجرين، يقابله اعتبار الصحافة التركية لتعليق مجلس النواب والحكومة في تونس انقلابا على السلطة السياسية الشرعية.

ونقل عن صحيفة “يني شفق” (Yeni Şafak) التركية القول: إن الإعداد للانقلاب تم على عدة مراحل، بدأت بشيطنة النهضة ثم غرس فكرة أن الفترة الحالية من الديمقراطية البرلمانية لم تساهم في ازدهار الشعب، ثم تلا ذلك تنظيم مظاهرات كاذبة عن السخط في الشوارع، مشيرة إلى أن الفاعلين، الذين يفضلون ممارسة الانقلابات السياسية بدلا من أدوات الديمقراطية، استخدموا سعيّد الذي حملته صناديق الاقتراع إلى كرسي الرئاسة.

وإن مجلة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى “عدم تكرار الخطأ الذي ارتكباه في مصر” إلا أن الطرفين ما زالا “ينتظران رؤية المسار الذي ستأخذه الأمور في تونس” ورأت أنه “سيكون من الكارثي ترك البلاد تسقط في ويلات الأنظمة الاستبدادية العربية”.

الرجل القوي؟

على الغرب، وفي مقدمته أوروبا، أن يجهز نفسه بإستراتيجية مدروسة جيدا تجاه الشرق الأوسط، وأن يتخلى عن موقف الانتظار والترقب الذي يحكمه الرأي القائل إنه من الأسهل الحوار مع “رجل قوي بدلا من مؤسسات ضعيفة”.

وتساءلت صحيفة لوتان (Le temps)  عما إذا كان وصف “الرجل القوي” ينطبق على سعيد أستاذ القانون الذي اشتهر بفضل ظهوره التلفزيوني وقطيعته مع الطبقة السياسية، منبهة إلى أنه خصم مهم لحركة النهضة، مع أنه -بغض النظر عما إذا كان ما قام به انقلاب أم لا- ليس أول من أدان “المحسوبية والفساد واللصوصية والإفلات من العقاب، بل إن الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية شجبت كل ذلك من خلال وسائل الإعلام خلال الأشهر القليلة الماضية”.

وقالت صحيفة لوتان: “سعيد بعيد كل البعد عن أن يكون رئيسا جيدا ومستنيرا أو مبعوث عناية إلهية، وحتى لو كان عبقريا أو قديسا، فلا يجوز بأي حال من الأحوال السماح له بتنفيذ انقلاب.”

وأن تونس دخلت مرحلة جديدة، باتت معها كل السيناريوهات ممكنة الآن، وتلك قفزة في الفراغ بالنسبة لهذه الديمقراطية الفتية.

ترجمة: الجزيرة

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …