الرئيسية / مقالات رأي / لبنان في مرآة تونس

لبنان في مرآة تونس

افتتاحية صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – الظروف التي أوصلت تونس إلى القرارات الرئاسية في 25 يوليو/تموز الماضي، لا تختلف عمّا يشهده لبنان من تبرم شعبي من النخب السياسية السائدة، ومن انسداد للآفاق، بسبب استشراء الفساد، والفشل الحكومي. ويبدو أن البلدين اللذين يتشابهان في نقاط حضارية وتاريخية عديدة بحاجة إلى إعادة بناء شاملة، تسمح لهما بالانعتاق من أوضاعهما المتردية على الصعد كافة.

مر أسبوع على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في تونس الرئيس قيس سعيّد، وما زالت حالة الارتياح صامدة، ولم تجد حركة «النهضة الإخوانية» ومن يدور في فلكها من الفاسدين أي مهرب غير الرضوخ إلى الأمر الواقع، والامتثال لإرادة الشعب في ضوء اتساع دائرة الوعي بأن ما مرت به البلاد كان انتهاكاً صريحاً لمصالح الدولة العليا، وضرباً للمسار الديمقراطي، ومصادرة لحقوق التونسيين في العيش الكريم. 

وفي بيروت بلغ الاحتقان الشعبي والاختناق السياسي مرحلة حرجة جداً، وبالتزامن مع الإجراءات التونسية تم في بيروت تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة، تكشف كل التوقعات أنها ستكون الفرصة الأخيرة لمنع الانهيار اللبناني الشامل، بالنظر إلى أن البلد يعاني سلسلة أزمات شائكة، ويرزح تحت جبل من الفساد وأجندات أحزاب وشخصيات أشبه بمفوضي قوى أجنبية، وليسوا مجندين لخدمة لبنان. 

ومن هذا المنطلق فإن التغيير، سواء في تونس أو لبنان، أصبح ضرورة ملحة لا تستقيم الأوضاع من دونه. والخطر الأكبر يتمثل في تعفن المشهد السياسي، وطغيان المصالح الشخصية على الوطنية، وإخضاع كل شيء، بما في ذلك القيم والمبادئ، إلى معادلات البيع والشراء والابتزاز والانتهازية.

الديمقراطية التي يتشدق بها البعض لا معنى لها إذا كانت الأوطان بصدد الضياع والتفكك. وما تعيشه تونس ولبنان دليل على خروق جسيمة في استيعاب المصطلحات وبناء الأنظمة. وبعد التجارب المريرة مع النخب السياسية الفاسدة، لم يعد هناك أي مجال لمزيد من التلاعب بمصائر الأجيال المقبلة. 

وقد قاسى الشعبان التونسي واللبناني الكثير من الضيم والتضليل بسبب أحزاب اتخذت من الشعوب وأصوات الناخبين مجرد وسائل لتحقيق غايات شخصية. فالمعارك التي كان يشهدها البرلمان التونسي المعلق، والسجالات التي خرجت عن أدبيات السياسية والسلطة بين القيادات اللبنانية في الفترة الماضية، كانت عناوين بارزة لإفلاس شامل، واستهانة فادحة بتطلعات الناس بلغت درجة انعدام الحياء من خلال المقايضات الرخيصة التي طالت في أحيان كثيرة هتك الأعراض وخيانة الأوطان.

عندما ينظر لبنان في مرآة تونس يرى مشاكله، فالبلدان يعانيان، على السواء، أزمة صحية حادة بسبب جائحة كورونا، ونقصاً فادحاً في الغذاء والدواء، وتدهوراً كبيراً للأوضاع الاقتصادية، وتهديدات خارجية تنتهك الاستقلال، وكل هذه القضايا تتطلب الحسم السريع لأن الوقت ينفد، وفي كل يوم تأخير تولد مصيبة. وإذا كان الشعبان التونسي واللبناني يتشابهان في هذه الصورة السوداوية، فإن لديهما الكثير من نقاط الالتقاء المضيئة منذ الفينيقيين، وربما ذلك ما يجعل أبواب الأمل مشرّعة عسى أن يأتي التغيير في وقت قريب.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …