بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- من أهم واجبات القادة الزعماء مكافحة مشاعر اليأس والإحباط لدى الشعوب وتكريس الثقة والتفاؤل في الظروف الصعبة التي تمر بها الدول والحكومات. وهذا بالضبط ما فعله رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة الأسبوع الماضي عندما أطلق عبارته القوية أنه “لا حرب بعد اليوم في ليبيا”.
والتشديد على نقطة عدم العودة إلى مربع الحرب والاقتتال أمر بالغ الأهمية خصوصاً فيما يخص ليبيا التي اكتوى أبناؤها كثيراً بسبب الحروب التي خلفت ضحايا ومآسي ووضعت الدولة برمتها على حافة التفكك والانهيار. وكان من المهم تسليط الضوء على مساوئ الحرب في مقابل مميزات السلام والتسويات السياسية.
فالحرب باهظة التكاليف ونتائجها غير مضمونة في مقابل العمل السياسي بما يتضمنه من حوارات بين الفرقاء المختلفين وتنازلات تقتضيها طبيعة النزاعات وتوازنات القوى المتصارعة. وهي تقود في نهاية الأمر إلى توافقات وحلول ترسي أساساً للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي، الشروط الضرورية واللازمة لانطلاق مسيرة التنمية والتطور في المجتمعات الحديثة.
وبالطبع فإن الدبيبة لا يملك ضمانات لعدم عودة الحرب مجدداً لكنه يطلق العبارات القوية التي تعزز الثقة وتنشر التفاؤل والأمل بديلاً عن اليأس والخوف والتشاؤم وعدم اليقين. ويذكر التاريخ الحديث أن الزعيم البريطاني ونستون تشرشل كان يتحدث عن النصر الوشيك على النازية ويعبئ مشاعر البريطانيين للصمود والمقاومة بينما كانت الطائرات الألمانية تدك المدن البريطانية كلها.
وجاءت كلمات رئيس الحكومة الليبية خلال زيارة إلى مدينة سبها التي طالما عانت التهميش والإهمال وغياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والوقود والصحة، إلى جانب انعدام الأمن، وكان سكانها يعانون تحت وطأة النزاعات الأهلية وتفشي التهريب، وأنشطة العصابات الأجنبية المسلحة،التي اتخذت من المنطقة موطناً لها. وقال الدبيبة إن المنطقة كانت تدفع فاتورة سنوات من الحرب والانقسام خلال السنوات الماضية. وتعهد بألاّ تبقى في ليبيا أية قوة أجنبية أو مرتزقة وأن تصبح الانتخابات حقيقة واقعة.
إن الاستقرار السياسي هو أساس ورأسمال التنمية والازدهار في الدول والمجتمعات؛ إذ لا تنمية في ظل الأزمات السياسية. وقد اختبرت الطبقة السياسية في ليبيا منذ انهيار نظام القذافي مجموعة من المسارات السياسية والعسكرية لتسوية أزمتها والوصول إلى الاستقرار المنشود. ولا شك أنها قد اكتسبت عبر جولات التفاوض ونماذج الحلول السياسية المختلفة التي تباينت نتائجها، خبرات عميقة. كما أنها ولا شك قد استخلصت الدروس من مآلات الحروب والاقتتال التي فرضها واقع الاختلاف والخصومات وأفرزت في النهاية واقعاً شديد التعقيد لكنه يبقى مفتوحاً على قدرة الإرادة السياسية على تجاوزه والبناء عليه.
وفي الوقت الراهن فإن الحلول السياسية باتت تتصدر المشهد على الرغم من مراوحة لجنة التوافقات المخصصة لمناقشة اتفاق القاعدة الدستورية، بينما يرتبط استبعاد خيارات الحرب بقضايا توحيد المؤسسة العسكرية وخروج الجنود المرتزقة من ليبيا. وخلال اليومين الماضيين أعلن أن اجتماعات روما أكملت مناقشة قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهي خطوة شديدة الأهمية وتكتمل فاعليتها بعد التصويت الوشيك على القانون في مجلس النواب الليبي.