BY: JOSEP BORRELL & PAOLO GENTILONI
الشرق اليوم – في السنوات الأخيرة، كانت التعددية في موقف دفاعي. ففي بيئة عالمية تميل إلى التعددية القطبية أكثر من ميلها إلى تعددية الأطراف، يبدو أن الـغَـلَـبة في أيامنا هذه أصبحت للمنافسة بين الدول وليس التعاون بينها. مع ذلك، تمثل الاتفاقية العالمية الأخيرة لإصلاح ضريبة الشركات الدولية دليلا سارا على أن التعددية لم تمت.
لكن التعددية ليست في كامل قوتها أيضا. ففي حين استمرت العولمة أثناء جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) ــ وإن كان ذلك على نحو متفاوت أكثر من ذي قبل وعلى الرغم من شعور الناس بالعزلة المتزايدة ــ أصبحت الاتكالية المتبادلة متعارضة على نحو متزايد. وحتى القوة الناعمة باتت تستخدم كسلاح، حيث تحولت اللقاحات، والبيانات، ومعايير التكنولوجيا إلى أدوات للمنافسة السياسية.
كما صار العالم أقل حرية، حيث تتعرض الديمقراطية ذاتها للهجوم، وسط معركة ضارية بين روايات متضاربة حول النظام السياسي والاقتصادي الأقدر على الوفاء بالوعود التي يبذلها لمواطنيه.
انطلاقا من إيمان راسخ، يواصل الاتحاد الأوروبي العمل من أجل عالَـم يمكن التنبؤ به من التعددية القائمة على القواعد، والأسواق المفتوحة، والنتائج الإيجابية في المجمل، والعدالة الاجتماعية والتضامن. ونحن نظل على يقين من أن تحديات اليوم ــ من مكافحة الجائحة إلى التصدي لتغير المناخ ــ من غير الممكن التعامل معها إلا من خلال التعاون العالمي. وعلى هذا فسوف يواصل الاتحاد الأوروبي حمل لواء القيادة لإحياء التعددية المستندة إلى القواعد، لكي نوضح لمواطنينا الفوائد الملموسة المترتبة على مفهوم تكنوقراطي يبدو جافا.
في نهاية المطاف، يعني البديل لمثل هذه المشاركة التعددية ــ “العمل المنفرد” ــ الحد من القدرة على الوصول إلى اللقاحات، والعمل المناخي القاصر، والأزمات الأمنية المتفاقمة، والعولمة التي تفتقر إلى القدر الكافي من التنظيم، واتساع فجوات التفاوت العالمية. ولن يتسنى لأي بلد، ولا حتى الأكبر، تحقيق النجاح بمفرده. لكل هذه الأسباب، وضعت إيطاليا بحق التعددية على رأس أجندة رئاستها الحالية لمجموعة العشرين.
ولكن لا يجوز للاتحاد الأوروبي أن يكتفي بتأكيد أوراق اعتماده ككيان تعددي. بل يجب أن تثبت أوروبا أن العمل التعددي كفيل بتحقيق الوعود المبذولة للجميع إذا استثمرت كل دولة فيه. وهذا هو على وجه التحديد ما تفعله الاتفاقية الضريبية العالمية الجديدة على وجه التحديد.
الواقع أن الاتفاق، الذي أقره في وقت سابق في يوليو/تموز وزراء مالية مجموعة العشرين وحظي بدعم 132 دولة، يقضي بإنشاء حد أدنى عالمي لمعدل الضريبة لا يقل عن 15% للشركات المتعددة الجنسيات ويضمن سداد هذه الشركات للضرائب في البلدان التي تحقق فيها الأرباح. هذه خطوة تاريخية نحو عولمة أكثر إنصافا وعدالة وإنجاز بارز للتعددية الـفَـعّـالة.
في السنوات الأخيرة، اتخذت الحكومات خطوات مهمة في التصدي لمشكلة التهرب الضريبي من قِـبَـل الأفراد. وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حقق التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية بين الدول 95 مليار يورو (112 مليار دولار أميركي) من الإيرادات الضريبية الإضافية لبلدان مجموعة العشرين خلال الفترة من 2009 إلى 2019، في حين انخفضت الودائع في الملاذات الضريبية بنحو 34%.
بيد أن الحد من التهرب الضريبي من قِـبَـل الشركات المتعددة الجنسيات، وهي مشكلة أكبر، أثبت كونه أمرا أشد صعوبة. تشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن التهرب الضريبي من قِـبَـل الشركات المتعددة الجنسيات يُـفـضي إلى خسائر في الإيرادات العالمية تتراوح بين 100 و240 مليار دولار سنويا، أو 4% إلى 10% من إجمالي عائدات ضرائب الشركات. علاوة على ذلك، جرى تصميم نظام ضريبة الشركات الدولية الحالي قبل أكثر من قرن من الزمن، وأصبح غير متزامن على نحو متزايد مع الاقتصاد الرقمي الذي تحكمه العولمة اليوم.
سعى الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة إلى تنظيم استجابة عالمية لهذا التحدي. لكن المشاركة الـبَـنّـاءة من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على مدار الأشهر الستة الأخيرة هي التي عملت على تمكين الاختراق الأخير. كانت علامة لافتة للنظر وموضع ترحيب على عودة أميركا إلى دعم الرؤية التعددية للعالم.
تمثل المناطق القضائية الـ 132 التي تدعم اتفاقية ضرائب الشركات الجديدة حاليا 90% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ورغم أن الاتفاقية لن تحل في حد ذاتها مشكلة التهرب الضريبي من قِـبَـل الشركات المتعددة الجنسيات، فإنها تُـعَـد خطوة حاسمة إلى الأمام. وهي تمثل بداية نهاية السباق العالمي إلى القاع في ما يتصل بمعدلات ضرائب الشركات، المنافسة العالمية التي أنتجت بعض الفائزين من أصحاب الثراء الفاحش ولكن أيضا المليارات من الخاسرين الذين يمكنهم الآن استعادة الثقة في قوة القواعد.
من المنتظر أن تؤدي هذه الاتفاقية إلى إيرادات حكومية أعلى وأكثر استقرارا في وقت حيث بات لزاما على كل البلدان أن تتحمل تكاليف مكافحة الجائحة وحشد الاستثمارات اللازمة للتصدي لأزمة المناخ. وسوف تُـفضي إلى قدر أعظم من الإنصاف والعدالة في وقت يتسم باتساع فجوات التفاوت بين العالمين المتقدم والنامي.
في المقام الأول من الأهمية، يُـظهر الاتفاق الضريبي الأخير كيف يمكن أن يعزز العمل التعددي شكلا أكثر إنصافا من العولمة. ونحن الآن في احتياج إلى استجابات دولية فَـعّـالة على نحو مماثل في مجالات أخرى، من الوصول إلى اللقاحات وأزمة المناخ إلى أمن البيانات والمعايير التي تحكم التكنولوجيا.
لن تغفر لنا أجيال المستقبل خطيئة إهدار الدرس الأساسي المستفاد من الجائحة: وهو أننا جميعا في هذه المخاضة معا. ونحن في احتياج إلى استراتيجيات حكيمة وتكتيكات جريئة للوفاء بأجندة تعددية حقا للجميع.