بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- فتح الإعلان عن إنهاء مهمة القوات القتالية الأمريكية في العراق، بحلول نهاية العام الحالي، الباب أمام مزيد من الجدل القائم أصلاً حول الوجود الأمريكي في هذا البلد، لجهة سحب القوات الأمريكية بالكامل على غرار ما يحدث في أفغانستان، أو المواءمة بين تلبية الاحتياجات الأمنية العراقية والمصالح المشتركة لكلا الطرفين.
في البيان المشترك الذي صدر عقب قمة بايدن – الكاظمي، لم يرد ما يشير صراحة إلى جوهر الانسحاب الأمريكي الكامل من العراق، كما يطالب القرار الذي صدر عن البرلمان العراقي في وقت سابق، وإنما يتحدث عن تغيير مهمة القوات الأمريكية في البلاد، وتحويلها إلى “قوات استشارية” تقتصر مهمتها على تقديم المشورة والتدريب، وتقديم الدعم والإسناد الجوي إلى جانب عمليات الاستطلاع والمراقبة للقوات العراقية في حربها ضد بقايا تنظيم “داعش”. كما يتحدث عن جوانب قانونية بشأن القواعد العسكرية التي يقيم فيها جنود أمريكيون على أنها قواعد عراقية، ويخضع فيها الجنود الأمريكيون للأنظمة والقوانين العراقية، مقابل توفير القوات العراقية الحماية لهؤلاء الجنود والمصالح الأمريكية الأخرى، وقوات التحالف الدولي التي يحتاج انسحابها إلى مفاوضات منفصلة.
كما يتحدث البيان عن احترام السيادة العراقية، واستمرار التعاون الأمني الاستراتيجي بين الجانبين، وتعزيز وتطوير قضايا التعاون الثنائي في مختلف المجالات خدمة لمصالحهما المشتركة. وبالمحصلة يحمل الإعلان المشترك في مضمونه إعادة انتشار للقوات الأمريكية بمهمات جديدة، لكنه يطرح تساؤلات عديدة حول ما إذا كان هذا التحول يشكل تغييراً جوهرياً في طبيعة الوجود الأمريكي في العراق أم يظل تغييراً شكلياً، وما إذا كان أيضاً ينزع ذرائع الفصائل والميليشيات “الخارجة على القانون”، ويوقف هجماتها واستهدافها المتوصل للقوات والبعثات الدبلوماسية والمؤسسات الأمريكية في البلاد، ويُسهم في ضبط السلاح المنفلت، ويساعد في إعادة هيبة الدولة العراقية. والواقع أن هناك انقساماً عراقياً، في الأصل، حول انسحاب القوات الأمريكية من عدمه، على الرغم من قرار البرلمان الواضح في هذا الشأن؛ إذ إن الطبقة السياسية العراقية الحالية بمعظمها، بما في ذلك قوى وأحزاب من داخل “البيت الشيعي” لا ترغب في انسحاب القوات الأمريكية انطلاقاً من أجنداتها ومصالحها، ولاعتقادها أن الحرب على الإرهاب لم تنتهِ بعد، وأن “داعش” بخلاياه النائمة والناشطة قادر على العودة، رغم كل ما يقال عن قدرة القوات العراقية على مواجهته ودحره.
وفي الجانب الآخر، ثمة شكوك كثيرة، حول ذهاب الإدارة الأمريكية إلى “التخلي” عن العراق أو سحب كل قواتها منه لأسباب داخلية وخارجية، فهناك معارضة حادة من الجمهوريين لمثل هذه الخطوة، كما أن التحديات القائمة بين واشنطن وطهران، رغم المفاوضات النووية، وكذلك التحديات التي تفرضها الفصائل المدعومة من إيران، تدفع نحو إبقاء القوات الأمريكية وليس سحبها. وبالتالي هل ينجح إعلان بايدن والكاظمي في تقديم نفسه كجائزة ترضية لكل الأطراف، وطمأنة الشعب العراقي بشأن أمنه واستقراره وتحسين ظروف حياته، أم أن الإعلان مجرد تغيير شكلي لن يغير كثيراً في الواقع العراقي الحالي؟.