بقلم: مرسي عطا الله – الأهرام
الشرق اليوم – الذي تشهده تونس هذه الأيام لم يكن في حكم المفاجأة بالنسبة لي ولكثيرين غيري من المهمومين بما أصاب العالم العربي من كوارث ونكبات تحت رايات الربيع المزعوم الذي انطلقت بوادر عواصفه من أرض تونس وتسببت أعاصيره في خراب ودمار لم تتعرض له المنطقة من قبل في العصر الحديث.
وما أظن أنه قد بقي بعد ذلك الذي يجري في تونس أي مجال للشك أو التردد في الإقرار بأن الشعوب العربية قد أفاقت أخيرا من غيبوبة الفوضى الهدامة التي جعلت بلدا صغيرا مثل تونس كان يحقق أعلى معدلات التنمية في المنطقة، رغم أنه لا يملك ثروة مختزنة في باطن أرضه فإذا به الآن يعاني الفقر والغلاء والبطالة مع تراجع حاد في الخدمات الصحية والتعليمية.
وإذا كنا نسلم بأنه ليس في عالم السياسة أحداث تقع اعتباطا وليست الصدف هي التي تهيئ أجواء التغيير فإن الطريقة التي أدار بها الرئيس التونسي قيس بن سعيد عجلة التغيير والجرأة التي اتسمت بها العملية التصحيحية للمسار السياسي تكشف عن وجود رؤية عميقة لضرورات الإنقاذ السريع لتونس دون إغفال للأوضاع الخاصة بها التي نشأت في السنوات الأخيرة بعد سيطرة حركة النهضة على مفاصل الحكم، مما أدى إلى تغيير جيوسياسي يصل إلى حد الاختلال في الموازين الحاكمة لهذا البلد الوديع الذي عاش منذ الاستقلال خارج لعبة الصراعات الإقليمية قبل أن تورطه حركة النهضة في تحالفات وعداوات جعلت من تونس ميدانا للصراعات الإقليمية ونقطة مواجهة بين أطراف هذه الصراعات بشكل مباشر أحيانا ومن خلف الستار في معظم الأحيان.
والذين يتصورون أن العملية الجريئة التي قادها قيس بن سعيد هي من وحي الخارج إنما يقعون أسرى لنواياهم وأوهامهم المريضة، فالرجل لم يجد أمامه أي خيار سوى اتخاذ ما يلزم اتخاذه لكي تستعيد تونس هويتها بعيدا عن التجاذبات الأيديولوجية التي لا تلقى هوى في نفوس وعقول غالبية التونسيين.
وأتمنى ألا أكون قد تسرعت في كتابة هذه السطور وعذري الوحيد أنني أحب هذا البلد الشقيق – من منطلق عروبي – وأتمنى له أن يعبر هذا الاختبار بنجاح، لأن المتربصين لن يستسلموا بسهولة لسقوط أهم وآخر مواقع تصدير الفوضى للمنطقة برداء الإسلام السياسي المعلب في الخارج منذ سنوات بعيدة.. واللهم احفظ تونس من المتربصين والطامعين وتجار الدين!
خير الكلام: إذا ارتفع الأذناب فوق الرؤوس غدونا بحكم الطبع نمشي إلى الوراء!