بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – بحسب آخر معطيات أزمة سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق بين أديس أبابا، من جهة، والقاهرة والخرطوم، من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن رابح وخاسر حتى الآن، بل شراء للوقت، علّ الأطراف المعنية تتوصل في نهاية المطاف إلى حلول وسط.
صحيح أن مصر والسودان، وعلى رغم المعارضة الإثيوبية، حققا نجاحاً في عرض القضية على مجلس الأمن في 8 تموز (يوليو) الجاري. لكن نجاحهما لم يكتمل، لأن المجلس أصدر توصية تقضي بأن يكون الاتحاد الأفريقي، هو الجهة المخوّلة التوسط في الأزمة. معلوم أن مصر والسودان كانا يفضّلان أن يأخذ المجلس باقتراحهما القاضي بتشكيل لجنة وساطة رباعية تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، أو أن يصدر المجلس قراراً أو بياناً يدعو أديس أبابا إلى اتفاق ملزم بين الدول الثلاث قبل الشروع في الملء الثاني للسد.
دول كثيرة ربما كانت تعوّل عليها مصر والسودان للوقوف إلى جانبهما، ولا سيما أميركا وروسيا وفرنسا والصين. لكن مواقف هذه الدول كان متناغماً لجهة تحديد أن الاتحاد الأفريقي يجب أن يكون الوسيط وليس مجلس الأمن أو أي جهة دولية أخرى.
ذلك لا يعني أن إثيوبيا خرجت رابحة بالكامل، لأنه لم يعد في إمكانها تجاهل ثقل التحرك الدولي للامتناع عن خطوات أحادية تستفز مصر والسودان، ويمكن أن تتسبب برفع منسوب التوتر في المنطقة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أديس أبابا أعلنت عن انتهاء عملية الملء الثاني في وقت أبكر مما كان متوقعاً. فهل كان ذلك بمثابة خطوة تؤشر إلى اتفاق ضمني على عدم الذهاب في العملية إلى الحد الذي يمكن أن يلحق ضرراً بحصتي السودان ومصر من المياه؟
ووقت تقول إثيوبيا إن الملء الثاني سار وفق ما هو مقرر، وإنه صار في الإمكان تشغيل التوربينين السفليين في السد من أجل توليد الكهرباء، يقول خبراء مصريون إن إثيوبيا أخفقت في حجز الكمية المخطط لها، وإنها سحبت بالفعل معدات البناء من السد بعد إخفاقها في الوصول إلى الارتفاع المخطط له، ومن ثم فشل السد في حجز كمية المياه التي كانت مقررة. وتجدر الإشارة إلى أن مصر والسودان يتمسكان بالتوصل إلى اتفاق ثلاثي ملزم، للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية وضمان استمرار تدفق الحصة السنوية لكل منهما من مياه النيل، وهي 55.5 مليار متر مكعب و18.5 ملياراً على الترتيب.
الأزمة بعد هذين التطورين، في مجلس الأمن والملء الثاني، يتعين أن تسلك مسلكاً تهدوياً في انتظار شروع الاتحاد الأفريقي بمبادرة جديدة. ولن تكون واشنطن التي جال مبعوثها الخاص جيفري فيلتمان قبل فترة على الدول المعنية، بعيدة عن جهود الاتحاد الأفريقي، بينما يمكن روسيا التي تتمتع بعلاقات جيدة مع أديس أبابا، الاضطلاع بدور بنّاء في تقريب وجهات النظر والتوصل إلى حلٍ مرضٍ للأطراف الثلاثة.
وكان ملاحظاً في الأسابيع الأخيرة خفوت حدة التصريحات النارية والتركيز على الدبلوماسية، خياراً مقبولاً في معالجة أزمة بهذه الخطورة تعتبرها كل دولة بمثابة حياة أو موت بالنسبة الى أمنها القومي. ولا تعارض مصر والسودان حق إثيوبيا في الاستفادة من النيل الأزرق وتوليد الكهرباء، لكن لا يمكن أديس أبابا أن تفعل ذلك من طرف واحد والاكتفاء بمجرد تبليغ القاهرة والخرطوم بمواعيد ملء خزان السد… ونقطة على السطر. وإذا كان الملء الثاني قد مر بسلام ومن دون إلحاق أضرار بدولتي المصب، فإنه ليس من ضامن لعدم استفحال الأزمة في مواعيد أخرى!!!