الرئيسية / مقالات رأي / حان وقت معاهدة دولية لحظر الاستخدام السياسي للدين

حان وقت معاهدة دولية لحظر الاستخدام السياسي للدين

بقلم: سلام سرحان – العرب اللندنية

الشرق اليوم- عندما دعوت إلى سنّ معاهدة دولية لحظر الاستخدام السياسي للدين في مقال نُشر في صحيفة الإندبندنت قبل عامين، لم أكن أتصور على وجه الدقة ردود الفعل على تلك الدعوة أو كيف يمكن تنفيذ ذلك المقترح في حقل الألغام هذا، رغم أنني كنت واثقا جدا من أن سنّ تلك المعاهدة أمر حتمي.

الدعوة حظيت فورا بتأييد واسع من شخصيات عالمية بارزة، لكنه في الغالب لم يكن للأسباب الصحيحة، حين اعتقد كثيرون أنها ضمن إطار المحاولات التقليدية للفصل بين الدين والسياسة. وكان الانطباع الأول للعديد من القياديين الحاليين للمبادرة؛ أن السعي لوضع معاهدة دولية لهذه القضية المتفجرة سيكون مهمّة شاقة للغاية.

لكن معظم أولئك الأشخاص كانوا يفاجئون بعد دقائق من الحوار المباشر، أنها لا علاقة لها بالدعوات المثيرة للجدل لفصل الدين عن السياسة وأنها لن تجد أي مقاومة في طريقها على الساحة الدولية. بل إن كثيرين استغربوا أنها لم تخطر ببال أحد رغم فكرتها البسيطة ورغم الملايين من المحاولات لإيجاد معادلة تحفظ قدسية الأديان وتوفر المزيد من الشفافية للعمل السياسي.

على سبيل المثال، قال الكاتب الأميركي ديفيد سوانسون في مقال عن المبادرة “اعتقدت لأول وهلة أن وجود كلمتي ‘الدين’ و’حظر’ في العنوان يجعلها مهمة مستحيلة، لكني اكتشفت أنها في الواقع تسعى لحظر حظر الدين”. وسارع سوانسون للانضمام بحماس إلى مجلس مستشاري “بيبيور انترناشونال” المنظمة غير الحكومية المسجلة في بريطانيا لقيادة هذه الحملة (www.bpur.org).

إيجاد معادلة لمعالجة الخلط المسيء بين الدين والسياسة، لا يمكن تحقيقه على نطاق محلي. إذ لا بد أن يكون الحل على نطاق عالمي وألا تكون فيه أي إشارة إلى أي دين أو بلد محدد.

وقد تمكنت المبادرة من استقطاب دعم عالمي كبير قبل عقد أول اجتماع لمجلس الأمناء في 15 يوليو 2020. وخلال عام واحد حققت المنظمة تقدما هائلا في جميع أنحاء العالم وحظيت بتأييد المئات من المشرعين والمسؤولين وأصبحت المعاهدة المقترحة على طاولة العشرات من الحكومات وزعماء الدول في أنحاء العالم رغم ظروف العمل الاستثنائية التي يفرضها وباء فايروس كورونا.

أما بالنسبة إلى الشخصيات العالمية الداعمة، فمن الصعب ذكر البعض دون البعض الآخر، لأن جميعهم بارزون ومؤثرون بشكل كبير. ولكن إذا كان لا بد من ذكر بعض الأسماء، فلا بد أن نبدأ برئيس مجلس أمناء المنظمة والراعي الوحيد لها حتى الآن، رجل الأعمال العالمي نجيب ساويرس. وتضم قوائم المؤيدين الطويلة رئيس أساقفة كانتربري السابق روان ويليامز، والرئيس السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ووزير الخارجية الإيطالي السابق جوليو تيرزي، ووزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، والمفكر العالمي نعوم تشومسكي، وغيرهم الكثير في فرق المنظمة المختلفة.

هذه المبادرة العالمية ليست بالبساطة التي قد تبدو عليها. إنها الباب الوحيد للخروج من دوامات أخطر الصراعات والمواجهات، التي دمّرت العديد من البلدان وأثرت على حياة المليارات في كل ركن من أركان الكوكب، والتي تعود جذور أسبابها إلى إساءات استخدام الدين لأغراض سياسية واستدراج البسطاء إلى التطرّف والإرهاب.

جميع المحاولات السابقة للخروج من تلك الدوامات كانت تنطوي على خلل كارثي، يكمن في كونها صدامية وتقدم الكثير من الذخيرة للمتطرفين. وهي تؤدي غالبا إلى أضرار أكثر من المنافع وتخدم أغراض المتطرفين أكثر من خدمة جهود تعزيز التسامح.

لقد أهدرت الآلاف من المبادرات موارد هائلة في خوض معارك خاطئة. علينا أن ندرك أن محاولات فصل الدين عن السياسة مهمة عبثية ولا جدوى منها، حتى وإن بدت مجدية أحيانا على المدى القصير. إذ أنها، حتى في البلدان الغربية، لم تُحسم بشكل كامل وقد بدأت جماعات اليمين المتطرف تقذف بوجهها تحديات كبيرة. وعلينا أن ندرك أيضا أن إيجاد معادلة لمعالجة الخلط المسيء بين الدين والسياسة، لا يمكن تحقيقه على نطاق محلي. إذ لا بد أن يكون الحل على نطاق عالمي وألا تكون فيه أي إشارة إلى أي دين أو بلد محدد.

القضاء على القمع والتمييز الديني سيحدث فارقا كبيرا في حياة المليارات وسوف يخدم جميع الأهداف الإنسانية الدولية من خلال القضاء على الأسباب الجذرية للعديد من النزاعات المستعصية

الآن لدينا معاهدة مقترحة مدعومة عالميا، شارك في صياغتها عدد من كبار المشرعين والمسؤولين وأبرز خبراء الأمم المتحدة. وهي تنطلق من أقصى احترام لجميع الأديان وتركز حصرا على نزع أسلحة التطرف من خلال حظر جميع انتهاكات المساواة بين البشر وحظر التمييز في الحقوق والواجبات على أسس دينية وحظر الإقصاء الديني وأي تقييد لحرية الاعتقاد والعبادة.

هذا النهج غير الصدامي الذي يستند إلى قواعد العدالة الأساسية يشمل جميع الانتهاكات ويتفادى أي صدام مع المعتقدات الدينية الراسخة لدى جميع شعوب العالم. كما أنه يضمن بناء إجماع عالمي غير مسبوق يساعد المجتمع الدولي في التعامل مع أخطر النزاعات الحالية والمستقبلية، إضافة إلى أنه يعزز قدرة الحكومات المسؤولة على ردع المتطرفين والدفاع عن قيم العدالة والسلام الاجتماعي وسيادة القانون.

من المستبعد أن ترفض أي حكومة مسؤولة مثل هذه القواعد الأساسية العادلة، بل حتى الحكومات والأطراف المتّهمة بالانتهاكات لن تجد عذرا لرفضها. وبذلك سوف يمكن بسهولة تأمين إجماع دولي بشأنها لتصبح إحدى المعاهدات الأساسية للأمم المتحدة ونقطة تحول كبرى في تاريخ العمل السياسي الدولي.

هذه المبادرة تمكنت خلال وقت قصير من حشد تأييد عالمي واسع في أكثر من خمسين دولة في أنحاء العالم، حيث تضم مجالس الأمناء والمستشارين والداعمين أعدادا متزايدة من أبرز الزعماء والمشرعين والشخصيات العالمية. هناك اليوم أكثر من عشر دول تقترب من تبني المعاهدة المقترحة رسميا قد اقترب بعضها من إعلان دعمها رسميا بسبب القواعد العادلة التي تستند إليها.

وقد ناشدت مجموعات كبيرة من البرلمانيين في المغرب وإيطاليا وبنغلاديش وسان مارينو حكومات بلدانها لتبني المعاهدة المقترحة رسميا، في وقت تستعد مجموعات أخرى من البرلمانيين للقيام بالمثل في دول أخرى، من بينها النمسا وباكستان وبريطانيا وسويسرا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وهناك أكثر من ثلاثين دولة أخرى لدينا فيها مستويات مختلفة من التأييد ويمكن أن تقفز إلى الصدارة في أي وقت، من بينها ألمانيا والإكوادور ونيجيريا والنرويج ومصر وتونس وفرنسا والبحرين والعراق وإسبانيا وجنوب السودان وكندا ولاتفيا وجورجيا وأفريقيا الوسطى وسيراليون ومالطا ومقدونيا الشمالية وبلجيكا وبوركينا فاسو وكوت ديفوار. كما تحظى المبادرة بدعم كبير في البرلمان الأوروبي والعديد من البلدان الأخرى.

قائمة الشخصيات الداعمة للمبادرة تضم أسماء بارزة منها رئيس أساقفة كانتربري السابق روان ويليامز والرئيس السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير الخارجية الإيطالي السابق جوليو تيرزي والمفكر العالمي نعوم تشومسكي

المعاهدة المقترحة ستكون أداة لا غنى عنها لدحض ادعاءات المتطرفين بأنهم يدافعون عن دينهم في مواجهة أجندات مزعومة. كما أنها سوف تجرّد المتطرفين من وسائل تجنيد البسطاء للقيام بأعمال إرهابية. ويجب ألا ننسى أن عدم وجود قواعد عالمية واضحة في هذا المجال، يسمح أيضا للمصالح السياسية والاقتصادية بالتلاعب بالتعاليم الدينية لخدمة أجنداتها بأي ثمن.

هناك إجماع بين مؤيدي المعاهدة المقترحة على أنها سوف تدخل العالم في عصر جديد، يتحدث فيه المجتمع الدولي بصوت واحد ضد الاستخدام السياسي للدين في انتهاك حقوق الإنسان، دون التردّد المعتاد حين يتعلق الأمر بهذه القضية الحساسة. وهنا علينا أن نتذكر أن الضغوط السياسية لم يكن لها أي تأثير يذكر بسبب عدم وجود قواعد دولية واضحة، وهو ما سوف تحسمه هذه المعاهدة.

ومن المؤكد أن القضاء على القمع والتمييز الديني سيحدث فارقا كبيرا في حياة المليارات وسوف يخدم جميع الأهداف الإنسانية الدولية من خلال القضاء على الأسباب الجذرية للعديد من النزاعات المستعصية والقائمة الطويلة من انتهاكات حقوق الإنسان، الأمر الذي يعزز الاستقرار ويفتح الأبواب للتنمية المستدامة في العديد من بقاع العالم، التي أرهقها الاستخدام السياسي للدين.

كما أن المعاهدة ستساعد أيضا في معالجة المشاكل الاقتصادية الاجتماعية الأخرى على نطاق عالمي، بما في ذلك جميع البلدان المتقدمة من خلال تخفيف ضغوط التوتر العالمي والهجرة الجماعية وتحسين فرص الاندماج الاجتماعي للأقليات الدينية في تلك البلدان.


شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …