الرئيسية / مقالات رأي / بكين ودمشق.. “طريق حرير” جديد

بكين ودمشق.. “طريق حرير” جديد

بقلم: د. محمد فراج أبو النور – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الصيني وانج بي، إلى دمشق مثلت تطوراً بارزاً ضمن سياق من المواقف الإيجابية للصين تجاه سوريا، وقد جاءت الزيارة في نفس يوم أداء الرئيس السوري لليمين الدستورية لولايته الرابعة (17 يوليو الجاري). وكان الوزير الصيني أول مسؤول أجنبي يستقبله الأسد بعد أدائه اليمين، بما لذلك من دلالات، كما كانت أول زيارة لمسؤول صيني كبير إلى دمشق منذ عام 2011، وبعد أسابيع قليلة من برقية تهنئة حارة أرسلها الرئيس الصيني “شي جين بينج” إلى نظيره السوري بمناسبة إعادة انتخابه.

الأمر الأهم هو أن وزير الخارجية الصيني تقدم خلال زيارته بمبادرة لتسوية الأزمة السورية، تنطلق من دعم قوي لموقف دمشق، وتتكون من أربع نقاط حرص “دانج بي” على تفصيلها في تصريحاته الصحفية أثناء الزيارة، ثم في لقاء موسع مع ممثلي الإعلام الصيني بعد عودته إلى بلاده.. وهي:

1 – تأكيد احترام سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية “وضرورة التخلي عن وهم تغيير النظام”.

2 – رفع جميع العقوبات الاقتصادية والحصار الاقتصادي غير الإنساني عن سوريا بشكل فوري.

3 – عدم التراخي في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، ورفض ازدواجية المعايير في هذا الصدد.

4 – عدم الانحراف عن مسار المصالحة والتسامح.

ويجب أن نلاحظ هنا حرارة الصياغات الداعمة لسوريا، كما أعلن الوزير عن تعيين مبعوث صيني خاص إلى دمشق، الأمر الذي يشير إلى عزم بكين على متابعة الدعوة لتجسيد مبادرتها، كما أعلن “دانج بي” عن عزم بلاده على تقديم أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والإنساني والصحي كافة (في مواجهة كورونا) الممكنة إلى سوريا، والمساهمة في إعادة إعمارها، داعياً دمشق إلى المشاركة في “مبادرة الحزام والطريق”، باعتبار أن سوريا كانت تاريخياً جزءاً من “طريق الحرير” الذي يربط غرب آسيا بالصين، مؤكداً ضرورة الإنهاء العاجل للمعاناة الإنسانية للشعب السوري، ومساعدته على تعويض خسائره الاقتصادية التي زادت على (400 مليار دولار) منذ بداية الحرب.

دعم صيني شامل

والواقع أن الصين وسوريا لديهما علاقات قديمة تعود إلى اعتراف دمشق بالصين الشعبية منذ عام 1956.. غير أن هذه العلاقات تركزت في التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، طوال السنوات التي كانت فيها بكين منكفئة على بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية، وخاصة منذ بدء برنامجها الإصلاحي (1978) في ظل زعامة “دنج شياو بنج” وعازفة عن المشاركة الواسعة في العلاقات الدولية، مع تأييدها المعروف للحقوق الفلسطينية والعربية في قصية الصراع العربي – الإسرائيلي. غير أنها مع تحقيق صعودها الاقتصادي الكبير في العقد الأول من هذا القرن، وتزايد قوتها العسكرية، وبروزها كقوة عظمى في ظل النظام العالمي متعدد الأقطاب، بدأت تتطلع إلى دور نشط على الساحة الدولية، ينسجم مع ما حققته من صعود اقتصادي وقوة عسكرية، وكان طبيعياً أن يكون الشرق الأوسط من أهم المناطق التي تسعى بكين إلى تعزيز نفوذها فيه، بما يمثله من أهمية استراتيجية، ومصدر أساسي للطاقة التي تحتاجها الصناعة الصينية، وكسوق ضخمة غنية تضم عدداً كبيراً من المستهلكين.

وفي هذا السياق كان طبيعياً أن تهتم بسوريا بما لها من موقع استراتيجي مهم، خاصة وأن الحرب الإرهابية ضدها قد استقطبت عدة آلاف من المقاتلين “الإيجور” الصينيين على الساحة السورية، والذين يفترض أن يعودوا إلى الصين بعد انتهاء الحرب، ليسببوا لبكين مشكلة أمنية خطرة، ناهيك عن أن الصين لديها موقف معاد للإرهاب على المستوى الدولي، كما أن لديها موقفاً ثابتاً في رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول عموماً.

وبناء على ذلك كان موقف الصين واضحاً في دعمه لسوريا في مواجهة الحرب الإرهابية الدولية ضدها، وانعكس هذا الدعم في التعاون الوثيق مع روسيا في استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن بصورة متكررة في مجلس الأمن الدولي، في مواجهة محاولات الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة لاستصدار قرارات تنزع الشرعية عن النظام السوري، أو تدينه بصورة غير مبررة.

دعم اقتصادي وإنساني

أدى الدمار الاقتصادي الهائل الذي سببته الحرب الإرهابية ضد سوريا إلى تراجع كبير في قدراتها الإنتاجية، وبالتالي التجارية، فاقم منه الاحتلال الأمريكي (والكردي والتركي) لشرق الفرات.. المنطقة الأغنى بالنفط والغاز والمحاصيل الزراعية، بحيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة (60%) وهو ما كان بديهياً أن يؤثر بشدة في تبادلها التجاري مع جميع البلدان بما فيها الصين. وفاقمت العقوبات الاقتصادية الغربية، وحالة الحصار المرتبط ب”قانون قيصر” الأمريكي من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. إلا أن المساعدات الاقتصادية التي تقدمها البلدان الصديقة – ومن بينها روسيا والصين تخفف إلى حد ما من آلام الحصار.

ومعروف أن إعادة الإعمار وحدها تقدم فرصاً اقتصادية تزيد قيمتها على (400 مليار دولار) وتشارك المؤسسات الصينية في المعارض الدولية التي تقيمها دمشق – وقد أنشأت هذه الشركات معرضاً دائماً لها في منطقة “عدرا” الصناعية بالقرب من دمشق، لمنتجات الإنشاءات وإعادة الإعمار، وتستعد لإقامة مصانع في هذا المجال وغيرها.

كما تقدم الصين مساعدات بالغة الأهمية لسوريا في مجال مكافحة وباء كورونا سواء من اللقاحات أو أدوات ومواد الوقاية، والأدوية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …