بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت العربية
الشرق اليوم- هناك أسباب كثيرة تمنع الدول المتقدمة من تحقيق الحياد الكربوني، أدناه بعض منها.
1- التركيز على سياسات مكلفة ذات آثار ضعيفة في تخفيض الكربون
نجحت السعودية في الاجتماع الأخير لوزراء الطاقة والبيئة في مجموعة العشرين، الذي عقد في مدينة نابولي الإيطالية في أواخر الأسبوع الماضي، في وضع الفحم في وجه إعصار التغير المناخي بدلاً من النفط. لم يكن هناك سبب لأن يكون النفط في الواجهة، ولكن العداء للنفط والدول النفطية هو الذي جعل النفط في الواجهة. وجعل النفط في الواجهة وتركيز سياسات الحياد الكربوني عليه سيكلف الدول الصناعية مبالغ تريليونية من دون تحقيق إنجازات كبيرة في مجال الحياد الكربوني.
وقراء هذا العمود الأسبوعي يذكرون أنني ذكرت أكثر من مرة في السابق أن تحويل كل السيارات في دول الاتحاد الأوروبي إلى كهربائية، وكون هذه الكهرباء تأتي من مصادر الطاقة المتجددة فإن هذا سيخفض انبعاثات الكربون العالمية بمقدار اثنين في المئة فقط. وإذا حُول كل قطاع المواصلات في الولايات المتحدة إلى كهربائي، بما في ذلك السيارات والشاحنات والطائرات والقطارات والسفن والمعدات الزراعية، فإن ذلك سيخفض انبعاثات الكربون العالمية بمقدار 4.3 في المئة فقط.
باختصار، ستنزف الدول الصناعية مالياً بسياسات ذات أثر ضعيف في تحقيق التغير المناخي!
2- التركيز على ما أُنجز في الماضي
بدأت الحكومات والشركات تنظر إلى ما تقوم به حالياً وما لديها، كي تضيف ما يمكن إضافته على أنه إنجاز بيئي يمكن إظهاره على أنه خطوة في الطريق إلى الحياد الكربوني. هناك أمور كثيرة تمت في الماضي لأسباب اقتصادية وبيئية وقانونية يمكن احتسابها الآن على أنها من إنجازات سياسات الحياد الكربوني. مثلاً، المباني ذات الكفاءة العالية في استخدام الطاقة، سواء في التكييف والتدفئة أو في الإضاءة. هذه إنجازات قديمة بعضها عمره أكثر من 40 عاماً، ستُحتسب الآن ضمن الخطوات للوصول إلى الحياد الكربوني.
3- تفاوت مراحل التنمية الاقتصادية بين الدول
رأينا هذا الموضوع في اجتماع وزراء الطاقة والبيئة لمجموعة العشرين يوم الجمعة الماضي، عندما رفضت الهند فقرة تتعلق بوقف محطات الكهرباء العاملة بالفحم، وفقرة تتعلق بتحديد تاريخ للوصول إلى الحياد الكربوني. وكانت الحجة أن الهند في مرحلة من التطور والتنمية الاقتصادية تختلف عن الدول الأوروبية وما زالت تبني نفسها. هذه الفكرة مهمة لأنها محور الخلاف الأساسي في مؤتمرات المناخ: نعم، انبعاثات الصين والهند قد تكون الأعلى في العالم الآن، ولكن المهم إجمالي الانبعاثات التراكمية منذ بداية الثورة الصناعية، في هذه الحالة نجد أن انبعاثات أوروبا أكبر بكثير. وإذا نظرنا إلى كمية الانبعاثات للفرد، نجد أن انبعاثات الصين والهند منخفضة مقارنة بأوروبا وأمريكا. بناء على هاتين النقطتين، لن توافق الدول الناشئة والنامية على أهداف الدول الأوروبية المناخية.
4- عدم التضحية بالموارد الطبيعية مقابل التغير المناخي
حتى أكثر الدول تمسكاً بالأهداف البيئية، النرويج، تتجاهل صيحات حماة البيئة وتستمر بالتنقيب عن النفط والغاز، وترفع إنتاج النفط. حتى جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، الذي يعد من متطرفي حماية البيئة، قال إنه لا يوجد بلد في العالم لديه مليارات البراميل من النفط في باطن أراضيه، ولا يُطورها، في إشارة إلى حتمية استخراج موارد كندا النفطية. حتى في عهد بادين، الرئيس الذي يتحدث عن التغير المناخي ليل نهار، بلغ عدد رخص حفر آبار النفط والغاز أرقاماً تاريخية في بعض المناطق. إذا كانت هذه الحال في الدول التي ترفع أعلام التغير المناخي، فما بالك في الدول الأخرى، من روسيا شمالاً إلى الأرجنتين جنوباً مروراً بوسط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؟
5- المعارضة السياسية والقانونية من الأطراف الأخرى
من أكبر أخطاء أنصار البيئة والتغير المناخي أنهم يتجاهلون ردة فعل الطرف الآخر، ربما لأنهم يعتقدون بمركزية الحكومة وديكتاتورية القرار. إلا أن واقع البلاد الديمقراطية يشير إلى أنه يمكن للطرف الآخر محاربة سياسات التغير المناخي في المحاكم، ويمكنه إيقافها. فقد استطاعت ولايات نفطية عدة إقناع محكمة فيدرالية بوقف تطبيق قرار جو بايدن الرئاسي القاضي بوقف التنقيب عن النفط مؤقتاً في الأراضي الفيدرالية في هذه الولايات. واستطاعت بعض القبائل الهندية من السكان الأصليين في ألبرتا إقناع محكمة فيدرالية كندية بوقف قرار الحكومة الفيدرالية القاضي بمنع التوسع في مناجم الفحم. وهناك قضايا كثيرة في المحاكم الآن، منها استئناف شركة “شل” قرار محكمة في هولندا يجبر الشركة على التزام سياسات التغير المناخي وتخفيض انبعاثاتها.
6- تعارض سياسات الحياد الكربوني مع الحريات الشخصية وحقوق الإنسان
استعراض سريع لآراء ومقولات قادة التغير المناخي خلال الـ30 سنة الماضية يوضح أنهم كلهم يعتقدون بضرورة وجود حكومة مركزية قوية تتبنى سياسات التغير المناخي بقوة القانون أو السلاح، لدرجة أن بعضهم بدأ بتمجيد جنكيز خان، لأنه قتل عدداً كبيراً من البشر وأوقف الأنشطة الاقتصادية فانخفضت انبعاثات الكربون في عهده.
ونظرة سريعة إلى كتابات حماة البيئة والتغير المناخي، نجد أنها كلها تدعو إلى مركزية القرار وتحجيم الحريات، بينما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك وطالب بجعل معدلات النمو الاقتصادي سالبة، وبتخفيض عدد السكان، حتى لو تطلب ذلك عقماً إجبارياً للنساء. لذلك، نجد أنهم، مع مشجعي السيارات الكهربائية، يمجّدون الصين دائماً.
7- عدم التزام الدول الصناعية الغنية بما وعدت به الدول الفقيرة النامية في اتفاقات المناخ
احتج الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأحد الماضي، على الدول الصناعية الغنية، ومجموعة الدول السبع تحديداً لأنها لم تفِ بالتزاماتها، إذ وعدت بأن تقدم 100 مليار دولار سنوياً ما بين 2020 و2025 للدول النامية كي تساعدها في عملية التحول الطاقي ومحاربة التغير المناخي. ويرى البعض أن الدول الصناعية تبرعت اسمياً بهذه المبالغ كي تقنع الدول النامية بتوقيع اتفاقية المناخ، ولكنها لا تنوي تقديم هذه المبالغ. بالنسبة إلى الدول النامية، ليس هناك حافز للاستثمار في الحياد الكربوني، إلا إذا قامت الدول الغنية بدفع تعويضات ومساعدات.
خلاصة القول أن سياسات الحياد الكربوني ستفشل، وهذا يعني زيادة الطلب على النفط والغاز والفحم بأكثر من المتوقع حالياً.