الرئيسية / مقالات رأي / تحوّلات تونس وتداعيات لبنان

تحوّلات تونس وتداعيات لبنان

بقلم: علي شندب – موقع العربية

الشرق اليوم- بدت تطوّرات المشهد اللبناني وهي تفتح صفحة تكليف نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة، هزيلة أمام التحوّلات الاستراتيجية التي تشهدها تونس، حيث أتت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد في تجميد البرلمان ورفع الحصانات عن النواب، وحل الحكومة، وغيرها من القرارات، استجابة ملّحة لمظاهرات الشعب التونسي ضد حركة النهضة التي تغوّلت على الدولة وأوقعتها في انهيار اقتصادي ومالي وكوروني متشابه ومتطابق مع انهيارات لبنان.

وللمفارقة فقد بدت تطورات تونس، بوصفها منصّة إطلاق ثورات الربيع المسموم، وهي تصحّح مسارها بخطوات دستورية جريئة يعتمدها الرئيس المنتخب قيس سعيد، محل متابعة لبنانية أكثر من متابعة اللبنانيين لإعادة إنتاج منظومة الفساد والأمونيوم لنفسها في لبنان، فضلاً عن ترصّد سرعة رياح التحوّلات التونسية التي سيهزّ إعصارها الكثير من البلدان المحكومة من تحالف المافيا والميليشيا المتغوّلة على الدولة والمقوّضة لها مثل ليبيا والعراق واليمن ولبنان.

وفيما ضرب قيس سعيد ضربته بالاستناد إلى دستور 2014 المجوّف، زفّ رئيس الجمهورية ميشال عون قرار الكتل النيابية بتسمية نجيب ميقاتي رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة، ليكون الرئيس المكلّف الثالث بعد انفجار مرفأ بيروت عشية سنويته الأولى.

استيلاد ميقاتي، أتى بعد إجهاض سلفه سعد الحريري في مخاض التشكيل الذي استمر تسعة أشهر، بدا خلالهم الحريري هاويا في علم السياسة ودهاليزها. فكانت النرجسية الشخصانية المتحكم الأول في أدائه منذ ارتجال إعلان نفسه مرشحاً طبيعياً لتشكيل الحكومة، ممتطياً المبادرة الفرنسية ومستقوياً بها، وآخذا بصدره وحده مهمة إنجاحها. متصرفاً وكأن ماكرون أعطاه منفرداً حق التصرف مع أقرانه اللبنانيين.

تصرّف الحريري وكأنّ المبادرة الفرنسية، غول دولي ستلتهم كل من يقف بوجهها. متناسياً رضوخ ماكرون لفيتو الثنائي الشيعي على المبادرة الماكرونية ما لم تخصّص وزارة المالية له. لم يدرك الحريري سرّ انحناءة ماكرون أيضاً لفيتو حزب الله على الانتخابات النيابية المبكرة. واعتبر الحريري أن العقوبات الأميركية على شريكه وغريمه معاً جبران باسيل تسمح له بتهميش رئيس الكتلة النيابية الأكبر فقرّر عدم الاجتماع به. فكمن له باسيل، ونصب له الأفخاخ التعطيلية المتناسلة من بعضها بعضا.

وأخذت المبادرات التسووية تنهار واحدة تلو الأخرى، وصولاً إلى انهيار توسيط زعيم حزب الله لرئيس المجلس النيابي نبيه بري في معالجة الأزمة بين رئيس الجمهورية والحريري المكلّف. إنها المبادرة التي سمحت لجبران باسيل التنادُد مع حسن نصرالله وتوسيطه كصديق لمعالجة الموقف الذي انتهى بفتوى صريحة لرئيس كتلة حزب الله محمد رعد، قضت بإقصاء الحريري الذي تجرّع كأس الانكسار مغلّفاً بالاعتذار.

وقد بدا اعتذار الحريري بعد إقصائه، أشبه بكسر للطائفة السنية التي التفّت حوله داعمة له، بدءاً من نادي رؤساء الحكومة، إلى دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى وبعض النواب المستقلين. إنّه الانكسار المبني على الهواية والغواية وليس على الحسابات والمصالح وفقه التوازنات المحلية والإقليمية والدولية.

لم يعد سرّاً أنّ اعتذار الحريري، شكّل المسمار الأخير في نعش الحريرية السياسية والوطنية بوصفها محتكرة دفة السنّية السياسية. ولهذا يتعمّق الشعور بالقهر لدى الطائفة المكسورة منذ اغتيال رفيق الحريري وحتى اليوم، نقول منذ اغتيال الحريري، لأنها قبل اغتياله، بل وقبل تسنّمه دفّة زعامتها، كانت طائفة فاعلة ومقتدرة رغم المحاولات الكثيرة للّي عنقها وكسر إرادتها.

ربما هي لعنة تركيبة النظام وتوزيع رئاساته. فرئاسة مجلس الوزراء هي الموقع المتحرك بين موقعين ثابتين دستورياً وزمنياً، هما رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس النواب. أمّا موقع رئاسة الحكومة فإنه آيل للاهتزاز والسقوط ربطاً بلعبة الديمقراطية أو بارتفاع سعر رغيف الخبز، أو تعريفة الواتساب. فيما انهيار وطن بكل مداميكه، فضلاً عن تفجير مرفأ بيروت لم يصيبا رئاستي الجمهورية والبرلمان بأي اهتزاز يذكر. لكن الاهتزاز أطاح بحكومة حسّان دياب، وبرئيسين مكلّفين تشكيل حكومة هما مصطفى أديب وسعد الحريري.

وبالعودة إلى المكلّف الثالث بالرئاسة الثالثة نجيب ميقاتي، فيبدو أنه يسير على ذات خطى أخطاء الحريري، فأعلن أن ترشحه يحظى بضمانات خارجية، وأنه لولا هذه الضمانات، والتي هي الاسم الدبلوماسي للضغوطات، لما أقدم على هذه المهمة الصعبة. وبات كلام ميقاتي عن الضمانات الخارجية يعكس اللقاءات والاتصالات التي أجراها مع رئيس المخابرات الأميركية ويليام بيرنز ونظيره الفرنسي برنار إيمييه فضلاً عن نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف. لكن الأمر المثير للفكاهة السياسية تسمية حزب الله لنجيب ميقاتي المدجّج بالضمانات الأميركية، في حين أن حزب نصرالله إياه وضع فيتو مزدوجا على تسمية نوّاف سلام بشبهة علاقته بالأميركيين.

بعيداً عن نجاح الميقاتي أو فشله في تشكيل الحكومة، فتكليفه لم يحمل أي بعد تغييري. إذ إن رؤساء الحكومة السابقين مع دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، باتوا أشبه بلوياجيرغا مقفلة على أي تغيير من شأنه إعادة السُنّة إلى ثباتهم وتوازنهم بعيداً عن اهتزازات موقع رئاسة الحكومة المهتز عند أي نسمة خريف حتى لا نقول عاصفة صيف كالتي تشهدها تونس اليوم.

بات مسلماً به، أنّ اهتزازات الطائفة السنيّة وفقدانها للتوازن المطلوب، منطلقة من اهتزازات موقع رئاسة الحكومة وانتكاساته المتعدّدة، وهنا مكمن العلّة. فشرط توازن الطائفة يكمن في الفصل بين موقعها ودورها الوطني المؤسّس، وبين موقع ودور رئيس الحكومة، الذي عليه أن يرعى مصالح الدولة، وليس أن يكون زعيماً للطائفة السُنّية. فليس كل رئيس حكومة يمتلك مواصفات الزعامة والقيادة، وليس كل زعيم يمتلك إمكانيات إدارة الدولة ومؤسّساتها ومرافقها، وإلّا كيف حصل التمادي في الفساد وانهيار الاقتصاد وتفجير المرفأ ووقوع لبنان على خط الزلازل والتلاشي والاختفاء.

بهذا المعنى بدت منظومة المال والسلطة والسلاح، أقوى من كل أصوات التغيير التي رفعتها 17 تشرين ضد هذه المنظومة بكلها وكلكلها. ولهذا يرجح من خلال سرعة استشارات التكليف والتأليف، تشكيل الحكومة، خصوصاً بعدما استفاد ميشال عون من إقصاء حزب الله للحريري، في تثبيت معادلة “جبران وسعد معاً” داخل الحكومة أو خارجها. لكن هل أنّ معادلات ليّ الأذرع التي جوّفت بطون اللبنانيين ستعيدهم بقيادة رئيس الجمهورية من قعر جهنم؟.

نصف الجواب الأول، في توافق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مع الرئيس الأميركي جو بايدن على انسحاب القوات الأميركية القتالية من العراق بنهاية العام الجاري، وفي كلام ملك الأردن عبدالله بن الحسين المثير للقلق لمحطة “سي إن إن”، مع عدم إغفال دوافع انتقال القاعدة الأميركية في قطر إلى الأردن بعيداً عن ابتزازات شرعية التواجد كما في العراق. أمّا نصف الجواب الثاني، فهو برصد تداعيات تحوّلات تونس العميقة وترقبها في غير مكان.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …