بقلم: جميس زغبي – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم- تهيمن إسرائيل و”حماس” في الغالب على النقاش بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكلا الطرفين لا يلوي على شيء في تكرار الحسابات الخاطئة والقاتلة نفسها التي تمخضت عن نتائج كارثية، لكن نقد الأوضاع الحالية يتعين أن يتضمن الحكومة الأميركية والسلطة الفلسطينية غير المستعدتين فيما يبدو لتعلم دروس من الإخفاقات السابقة. والولايات المتحدة هي الأكثر مسؤولية لأنها تسير بمقتضى مقولة ألا فارق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا يسمح لإسرائيل بأن تتصرف دون قيود فاعلة، و”الدبلوماسية الهادئة”، التي تتبعها الولايات المتحدة تتجاهلها إسرائيل مراراً، وعدم فرض شروط على الدعم الأميركي لإسرائيل عزز سوء تصرفات تل أبيب، وأضعف قوى السلام الإسرائيلية.
فعلى مدار عقود، عارضت الولايات المتحدة إقامة مستوطنات جديدة وعبرت عن قلقها من القمع في الأراضي المحتلة، وحثت على تقديم تنازلات إسرائيلية لكن كل هذا تم تجاهله، والقدر الهائل من مساعدات وتغطية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة عزز حصانة إسرائيل، وعدم تكافؤ القوة بين إسرائيل والفلسطينيين تفاقم بسبب عدم تكافؤ آخر، فالضغط الشعبي الأميركي يميل ضد الفلسطينيين ويدعم إسرائيل، والسلطة الفلسطينية أصبحت شبحاً مثيراً للشفقة لما كان متصوراً عند قيامها، فلم تحصل على فرصة لتصبح محرك قيام دولة فلسطينية مستقلة حقاً، وحاجتها إلى دعم عشرات الآلاف من الموظفين وأسرهم جعلها تعتمد على المساعدات الدولية، وإسرائيل تطالب بتعاون السلطة الفلسطينية، لكن الدولة العبرية تستفز السلطة الفلسطينية وتضعف قواها في كل شيء، من المداهمات الليلية المستفزة في قلب المدن الفلسطينية إلى عمليات التجريف والضم الزاحف على أراضيها.
وفي الوقت نفسه، فشلت السلطة الفلسطينية في طرح استراتيجية سياسية تحشد بها تأييد الفلسطينيين وفشلت في تقديم رؤية تلهم الأمل، ونهجها الوحيد في عرض القضية الفلسطينية أمام الأمم المتحدة أو هيئات دولية أخرى قوبل بنقض أميركي لا مفر منه، والتركيز على هذا النهج الفاشل والحرص على استمراره جعل السلطة الفلسطينية والفلسطينين يشعرون باليأس والاستعداد للجنوح إلى العنف الذي تحرض عليه حماس، صحيح أنه لا يمكن تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية أخطاء السلوك الإسرائيلي أو السياسات الأميركية لكن يتعين لومها على تصرفاتها، فلم تبال السلطة بالضرر الذي ألحقته بالقضية الفلسطينية وتزايد جنوحها نحو العمل كنظام منعزل شبه سلطوي، فقد ألغت السلطة الفلسطينية الانتخابات واستخدمت القوة لكتم الانتقادات والنشطاء، وفي انتفاضات الضفة الغربية في الآونة الأخيرة، قتلت قوات قوات الأمن الفلسطينية أحد منتقدي فساد السلطة، وهذا يوضح افتقار السلطة الفلسطينية المتزايد للشرعية.
ومع عدم تعلم الدروس تستمر المأساة، فلا تخضع تصرفات إسرائيل للمساءلة مما يجعل لا مفر من حل دولة الفصل العنصري (الآبارتهايد) الواحدة، وهذا أكثر ما تخشاه إسرائيل، و«حماس» تتباهى بانتصارات فارغة مع تمهيدها لجولة عنف تالية، والسلطة الفلسطينية منشغلة فيما يبدو ببقائها أكثر من اهتمامها بقيادة الفلسطينيين إلى تحقيق العدل، والولايات المتحدة بشعارها المستهلك وهو «مفاوضات تؤدي إلى حل الدولتين»، تنهمك في جدل نظري عقيم لا ينقذ الواقع المؤلم في شيء.
لكن هناك بعض الأمل لتحقيق تغيير يتمثل في التحولات المضطردة في الرأي العام الأميركي فيما يتعلق بإسرائيل وسياساتها، فغالبية الأميركيين أصبحوا يريدون الآن فرض شروط على المساعدات الأميركية لإسرائيل واتباع سياسة أكثر توازناً تجاه الصراع، وينعكس تأثير هذا التحول في التوجهات على انتخابات الكونغرس، فقد أصبح مرشحون مؤيدون لتحقيق العدل للفلسطينيين يلحقون الهزيمة بخصوم مؤيدين لإسرائيل، وفي الآونة الأخيرة وقع 73 عضواً في الكونغرس خطاباً طالبوا فيه إدارة بايدن بدعم الفلسطينيين.
والتطور نحو سياسة أميركية أكثر توزاناً تستهدف فرض شروط على الدعم لإسرائيل، ربما يصبح السيف الذي يقطع العقدة التي لا حل لها، وهذا يعني إنهاء شعور إسرائيل بالحصانة مما يدعم قوى السلام في إسرائيل ويضعف سيطرة اليمين المتشدد على الجدل السياسي الإسرائيلي، ويلهم المجتمع المدني الفلسطيني بأن ينظر إلى العدل باعتباره أمراً ممكناً، والانتخابات التالية في إسرائيل قد تتعلق بما هو أكثر من ذلك.