بقلم: حسين عبد الحسين – موقع الحرة
الشرق اليوم– في المخيلة العربية، لا متسع للتباين في الرأي بين صديقين أو حليفين. مواقف الحكومات العربية إما متطابقة، إذ ذاك تنبري وسائل إعلام كل من الجانبين إلى تفخيم الآخر والمديح، أو متناقضة، وهو ما يدفع إعلام الجانبين إلى شيطنة الآخر والهجاء.
بين السعودية والإمارات علاقات قوية عمرها عقود. الإمارات سبقت السعودية في عملية التحديث والانخراط في الاقتصاد العالمي وتقليص الاعتماد على النفط. السعودية، مع اندفاعة ولي عهدها الشاب محمد بن سلمان، أعجبها النموذج الإماراتي وتسعى إلى تكراره. لكن التجارة منافسة وفي المنافسة بعض الخصام، وهكذا كان.
السعودية تسعى لجذب الاستثمارات العالمية، بما في ذلك كبرى الشركات العالمية والسعودية، التي تتخذ بعضها من الإمارات مقرا لها. وتتشابه الرؤية الإقليمية لكل من الدولتين، مع بعض التباين الذي بدا في اليمن والحرب المندلعة فيها، وفي كيفية التعامل مع النظامين الإيراني والسوري. السعودية دولة أكبر بكثير من الإمارات، ويمكنها التصعيد في وجه الإيرانيين، مثلا، أكثر مما يمكن للإماراتيين.
ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير. في اجتماع كارتيل النفط الدولي “أوبك بلاس”، حاولت أبوظبي زيادة الإنتاج بسرعة في ظل نهوض الاقتصاد العالمي، مع خروج البشرية من وباء كورونا المستجد.. أما السعودية، فسعت للحفاظ على سعر البرميل، ما يعني حرصها على زيادة تدريجية للإنتاج.
التباين في المواقف في موضوع النفط واضح الأسباب. الاقتصاد الإماراتي أكثر تطورا وتنوعا من نظيره السعودي، ويعتقد الإماراتيون أن زمن النفط يقارب نهايته، وأن على الدول المنتجة المسارعة لبيع ما بحوزتها قبل أن يبدأ العالم مشوار تقليص اعتماده على النفط والغاز واستبداله بالطاقة المتجددة.
السعودية، بدورها، صاحبة احتياطي نفطي هو من الأكبر في العالم، وليست في عجلة من أمرها للتخلص من ثروتها، بل تسعى لإطالة أمد عائدات النفط، ريثما تصبح البلاد أكثر استعدادا للاعتماد على القطاعات غير النفطية.
لهذه الأسباب، انفجرت أزمة بين السعودية والإمارات، وخرجت إلى العلن، وتبادل إعلام الدولتين الانتقادات، وهو من الأمور النادرة.
لكن الاختلاف في الرأي لم يفسد في الود قضية، خصوصا مع حرص قيادتي الدولتين على الحفاظ على التحالف المتين بينهما. هكذا، قام ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض. الإعلام العربي، على عادته، يخشى التطرق إلى مواضيع الزعماء، وهو ما يحرم المتابعين إمكانية التكهن بما دار من أحاديث في لقاء الحليفين.
لكن الإعلام العربي أورد أسماء أعضاء الوفدين، وهو ما وشى بطبيعة الزيارة. بن زايد لم يصحب مستشاريه أو وزراءه المتخصصين بالمواضيع الخلافية بين البلدين، أي النفط أو الدفاع، بل رافقه نجله حمدان وشقيقه طحنون، فيما حضر من الجانب السعودي، إلى بن سلمان، شقيقه خالد بن سلمان، وأقرب الوزراء إلى محمد بن سلمان، الأمير تركي بن محمد بن فهد.
تشكيلة الوفدين تشي بأن الجلسة كانت جلسة حميمة تخللها “غسل قلوب”، وتلاها ظهور وليي العهد، بن سلمان وبن زايد، جنبا إلى جنب، في صورة انتشرت على نطاق واسع وبددت الحديث حول افتراق الحليفين.
على أن طي صفحة الخصام وعودة الوئام لا تعني نهاية المنافسة، بل تعني أن المنافسة ستستمر، وستنتقل كبرى الشركات السعودية إلى الرياض، أو نيوم، وستنتقل معها من الإمارات بعض كبرى شركات العالم التي تخشى أن يحرمها الجفاء مع السعودية أكبر سوق في الإقليم.
المهم أن السعودية والإمارات تنخرطان في سياسة لم تكن مألوفة في المنطقة في الماضي، يوم كانت السياسات تترواح بين التطابق الكاذب والصداقة، أو التنافر الذي يصل أحيانا حد الحروب الدامية.
السعودية والإمارات تتبنيان اليوم أسلوب الدول الأكثر نضوجا في تنظيم التباين بين الحلفاء والأصدقاء، وهو أسلوب قائم على سعي الحكومة إلى النمو الاقتصادي، بأي ثمن ممكن، وهو نمو لا يمكن أن تفرضه الحروب، بل المنافسة السلمية، غالبا المبنية على التسلح بالمعرفة والحفاظ على الاستقرار، وهذه فرنسا وألمانيا، جارتان تتنافسان تجاريا وتفترقان حول سياسات كثيرة، وفي نفس الوقت تحافظان على تحالف استراتيجي متين، فالتحالف لا يعني التطابق، بل يعني وضع الصداقة في خدمة أكبر كمية ممكنة من المصالح للدولتين.
بدورها الولايات المتحدة، الراعي الدولي لاستقرار الخليج والشرق الأوسط، في إجازة، مع أو دون انتشار قواتها في المنطقة، وهي إجازة سببها في الغالب قصور غالبية مسؤولي واشنطن في فهم المنطقة والتطورات التي تعصف بها، وتوكيلها السياسة الأميركية تجاه الخليج لمراهقين في صناعة السياسة الدولية.
أما التطورات على الأرض في الشرق الأوسط والخليج، فنتائجها ظاهرة في التغيير الهائل الذي يطال السعودية، والإنجازات الاقتصادية والمعرفية الكبيرة التي تحققها الإمارات.