بقلم: علي عبيد الهاملي – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – يبدو أن الأفغان على موعد مع المزيد من الأعمال الروائية عن بلدهم أفغانستان بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن مغادرة القوات الأمريكية لأفغانستان نهائياً بحلول 11 سبتمبر من هذا العام، في الذكرى السنوية العشرين للهجمات التي شنها تنظيم القاعدة بمساعدة جماعة طالبان على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001.
فبعد عشرين عاماً من الحرب التي تكبدت الولايات المتحدة وحلفاؤها فيها خسائر بشرية ومادية كبيرة، قررت الرحيل عن أفغانستان، تاركة الأمن للحكومة الأفغانية التي يعلم الجميع أنها عاجزة عن القيام بهذا الدور، بدليل أن حركة طالبان قامت باجتياح عشرات المقاطعات وسيطرت على العديد من مناطق العبور، قبل أن تكمل القوات الأمريكية وقوات الحلفاء الانسحاب من الأراضي الأفغانية، وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة، في إعادة لسيناريو ما قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001.
تعيدنا الأوضاع الراهنة والتوقعات المستقبلية إلى روايات مهمة من الأدب الأفغاني لكتّاب أفغان رسموا صورة قاتمة للأوضاع في بلدهم، والصراعات التي جرت على أرض أفغانستان بين الجماعات المسلحة التي تشكلت منها منظومة التركيبة الأفغانية العرقية والدينية والسياسية في أفغانستان بعد رحيل السوفييت عنها عام 1989م، والتي انعكست واقعاً مأساوياً على أوضاع الكثير من أفراد المجتمع الأفغاني وفئاته المختلفة، هذا الوضع الذي صورته روايات مثل «ألف شمس مشرقة» لخالد حسيني، و«حجر الصبر» لعتيق رحيمي، وقبلهما رواية خالد حسيني الشهيرة «عداء الطائرة الورقية»، ثم رواية عتيق رحيمي «السقّاءان» التي صدرت في نسختها المترجمة إلى اللغة العربية بعنوان «حب في المنفى».
وكي لا يتهم أحدٌ الكُتّابَ الأفغان بأن هذه الروايات من نسج الخيال، أو أنها بعيدة عن الواقع الأفغاني، أهدى عتيق رحيمي روايته «حجر الصبر» للشاعرة الأفغانية ناديا أنجومان، التي لقيت حتفها ضرباً على يد زوجها عام 2005 بعد أن أصدرت ديوانها الشعري الأول «الزهرة القرمزية». كانت ناديا أنجومان طالبة في قسم الآداب بجامعة هيرات، وقد منحها الديوان شهرة واسعة، لكنها غادرت الحياة وهي في الخامسة والعشرين من عمرها. تقول ناديا أنجومان في إحدى قصائد الديوان:
«احتضن قبرك.. قفص المرمر الأبيض.. المساحة الشاحبة الرثة البائسة.. لن أسجن هنا.. كطائر حكيم تحلق كلماتي عالياً.. بحرية تحلق.. تطير وتعيش مرة أخرى».
وقد احتضنت ناديا أنجومان قفص المرمر الذي تلطخ بدمها، وذهبت ضحيةً للعنف الذي أورثته «طالبان» وشقيقاتها من الجماعات المسلحة المجتمع الأفغاني الذي لم يكن يعرف التعصب قبل أن تأتي هذه الجماعات لتتصارع على السلطة فيه.
في روايته «ألف شمس مشرقة» يصف خالد حسيني كيف كان جليل يُجلِس ابنته مريم على حضنه ويقص لها الحكايات عن هيرات، حيث ولدت مريم، قائلاً: «كانت مهد الحضارة الفارسية، وطن الكتّاب، والرسّامين، والمتصوفين». قال لها: «لن تستطيعي أن تطئي موقع قدم دون أن تركلي شاعراً على قفاه».. وضحك. أخبرها عن الملكة «كوهر شاد» التي رفعت المآذن المشهورة كعربون محبة لهيرات في القرن الخامس عشر.
وصف لها حقول الحنطة الخضراء لهيرات والبساتين المجللة بالعنب المكتنز، حيث المدن مكتظة والأسواق صاخبة. في إحدى المرات قال جليل: هناك شجرة بيستاكيو، وبالقرب منها دفن الشاعر العظيم جافي. انحنى وهمس: «لقد عاش جافي منذ أكثر من خمسمئة سنة مضت، أخذتك إلى تلك الشجرة ذات مرة. كنت صغيرة.. لن تتذكري». لم تتذكر مريم، لكن الأفغان يتذكرون ناديا أنجومان التي مشت على درب شاعر هيرات العظيم «جافي».
في رواية «حجر الصبر» تقوم المرأة، التي تعمد عتيق رحيمي عدم إعطائها اسماً، بدور البطلة والضحية معاً، لتكشف كل التناقضات التي تعيشها الجماعات والميليشيات المسلحة المتصارعة على النفوذ والسلطة باسم الجهاد والدين.
في رواية «ألف شمس مشرقة» يقول خالد حسيني على لسان إحدى شخصيات الرواية: «العدو الوحيد الذي لا تستطيع أفغانستان هزيمته هو نفسها».
في رواية «حجر الصبر» تتحدث البطلة عن حجر «تضعه أمامك.. وتشرع أمامه في الشكوى والنواح على كل مصائبك، كل عذاباتك، كل آلامك، كل بؤسك.. والذي تفضي إليه بكل ما في قلبك ولا تجرؤ على البوح به للآخرين…».
في الروايات التي نحن بانتظارها بعد رحيل القوات الأجنبية عن أفغانستان نتساءل: تُرى كم حجر صبر يحتاج هذا البلد كي يخرج من دائرة العنف الذي لا نهاية له؟