By: Jim O’neill
الشرق اليوم– لقد ألقى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خطابا في وقت سابق من هذا الشهر في كوفنتري عن مبادرة يبدو أنها قد أصبحت مبادرته المفضلة فيما يتعلق بالسياسات وهي مبادرة تهتم برفع مستوى الاقتصادات المحلية والمناطقية والتي تراجعت بشكل متزايد مقارنة باقتصادات لندن ومنطقة جنوب شرق المملكة المتحدة.
لقد ترأست سابقا اللجنة المستقلة والتي ساهمت في إطلاق خطة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون والمتعلقة بمركز القوة الشمالي وعليه فإن تركيزي الكامل ما يزال منصبا على تحقيق الهدف نفسه. ان اللجنة الاصلية درست النموذج المفكك للنمو الحضري في طول المملكة المتحدة وعرضها وبعد ان قدّمنا التوصيات، تمت دعوتي من قبل كاميرون ووزير الخزانة آنذاك جورج اوزبورن للعمل كوزير مركز القوة الشمالي في وزارة الخزانة البريطانية ومنذ ان تركت الحكومة سنة 2016، أصبحت نائب رئيس مؤسسة شراكة مركز القوة الشمالي المستقلة.
بالإضافة الى ذلك، أصبحت مؤخرا رئيسا لشركة خاصة جديدة “لرأس المال الصبور” تدعى نورثيرن غريستون وهي شركة سوف تستثمر في الشركات الناشئة والتي تنطلق من الجامعات الإنجليزية الشمالية وخاصة من ليدز ومانشستر وشيفيلد ولكن لا تقتصر عليها، وعلى الرغم من أن تلك المؤسسات التعليمية عادة ما تكون ضمن أفضل 200 مؤسسة تعليمية على مستوى العالم، الا انها موجودة في مناطق ذات إنتاجية محدودة وتعاني من شح في الأعمال سريعة النمو ومرتفعة الدخل وهذا يعني انه توجد فرص كثيرة للاستثمار.
لقد ألمح جونسون في خطابه الى الورقة الارشادية القادمة عن خطط الحكومة لرفع المستوى حيث نأمل عندما يتم نشر تلك الورقة ، إنها سوف تقدّم تعريفا واضحا للنجاح واستراتيجية متسقة لكيفية تحقيقه وكما أشار جونسون في خطابه فإن الفجوة بين المناطق الأكثر والأقل ازدهارا في المملكة المتحدة في ازدياد وأضاف ” ان هناك حقيقة مدهشة وهي انه بعد 31 عاما من توحيد ألمانيا فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في شمال شرق بلادنا ويوركشاير وايست ميدلاندز وويلز وايرلندا الشمالية هو أقل الآن مما كان عليه في المانيا الشرقية السابقة.”
على الرغم من ان بإمكان جونسون ان يطرح العديد من الأمثلة القوية لتوضيح انعدام المساواة الصادم في المملكة المتحدة، الا ان مقترحاته لحل المشكلة تبدو أقل اثارة للإعجاب وبناء على ما شاهدناه، فإن من غير المفاجئ أن الكثير من المعلقين لديهم شكوك.
ان من الواضح انه لا يوجد شخص يعارض الفكرة الأساسية المتعلقة برفع مستوى الاقتصاد البريطاني ولكن السؤال يتعلق بكيفية عمل ذلك وكيفية تقييم التقدم الذي يتم احرازه فهل تركّز حكومة جونسون فقط على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحيث يتم اعلان النصر عندما يجني الناس بالمعدل في المنطقة الشمالية الشرقية نفس الأموال التي يجنوها في لندن؟
ان هذا الطرح لن ينجح وذلك لأنه وكما أشار جونسون فإن هناك أجزاء كبيرة من لندن الكبرى قد تراجعت بشكل دراماتيكي مقارنة بمناطق أكثر نجاحا في العاصمة مما يعني انه لو أردنا تحقيق رفع المستوى بدون التأثير سلبا على مستوى الاخرين فإن تعزيز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في طول لندن الكبرى وعرضها سوف يخلق فجوة أكبر بين لندن والمنطقة الشمالية الشرقية.
ان من الأشياء التي سوف تزيد الأمور تعقيدا قضية مستويات المعيشة فهناك فروقات ضخمة في أسعار المنازل حسب المنطقة التي يتم البحث فيها فسكان المنطقة الجنوبية الشرقية- أبرزها أماكن مثل كامبريدج – قد يدفعون مبالغ كبيرة من اجل السكن بحيث يصبح دخلهم الحقيقي المتاح أقل من دخل الآخرين الذين يجنون أموال أقل في أمأكن أخرى.
ربما عوضا عن استهداف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، يمكن للحكومة التركيز على متوسط العمر المتوقع. تسلط بعض قصص جونسون الأكثر وضوحًا وقوة الضوء على الاختلافات الجغرافية الصادمة في المدة التي يعيشها الناس عادةً. لكن من غير الواضح كيف ستستهدف هذه
السياسة العامة هذا المقياس على وجه التحديد.
على أي حال فإنه نظرا لأن الحزب نفسه الذي كان يسيطر على الحكومتين السابقتين – بما في ذلك الحكومة التي قدّمت خطة مركز القوة الشمالي- ما يزال في السلطة، اسمحوا لي ان أعرض عليكم الأمور التي اعتقد انه يجب تضمينها في الورقة الارشادية القادمة. أولا، تحتاج الحكومة لإيضاح كيف سوف تقيّم التقدم والنجاح فحسب وجهة نظري فإن الخيار الأفضل عوضا عن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي سيكون الإنتاجية المناطقية وذلك لإن تلك الإنتاجية ترتبط بقوة مع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كما تتضمن مجموعة من الأهداف الاجتماعية المرغوبة.
أرغب أيضا في رؤية حكومة جونسون وهي تربط أهدافها بأهداف الحكومات السابقة وأن تقدّم أساسا يمكن للحكومات القادمة ان تبني عليه. لقد أعلن جونسون في أحد خطاباته الأولى كرئيس للوزراء خطة لانشاء ” مجلس نمو مركز القوة الشمالي” ولكن يبدو ان هذا الطموح قد اختفى وفي واقع الأمر فإن عبارة “مركز القوة الشمالي ” لم ترد وحتى لمرة واحده في خطابه الأخير.
بالمثل وبينما تكلم جونسون ووزراءه بحماس في السابق عن انشاء سكة حديد مركز القوة الشمالي فإن ذلك المشروع لم يرد في الخطاب أيضا وحتى عندما تطرق الخطاب وبشكل مباشر لموضوع البنية التحتية والقطارات. يبدو ان هذا الاغفال يؤكد الاشاعات بإن الحكومة قد تخلت عن مشروع سكة حديد مركز القوة الشمالي كما تخلت عن فكرة مجلس نمو مركز القوة الشمالي.
يبدو ان جونسون وعلى نحو مفاجئ قد أصبح يفضل البلدات الصغيرة على المناطق الحضرية الكبيرة. ان هذا قد يبدو مناسب سياسيا ولكنه لن يساعد بالضرورة في تحسين الأداء على المستوى الوطني فلو كان رفع مستوى الاقتصاد البريطاني هو الهدف، فسوف تحتاج الحكومة الى رفع إنتاجية جميع المناطق لتصل الى نفس مستوى لندن وهنا يمكنها الرجوع الى توصيات لجنة ر س أ لنمو المدن لسنة 2013-2014 والتي درست بشكل مفصل المناطق الحضرية التي تضم 500 ألف نسمة على الأقل.
ان العامل الحاسم الأخير هو التعليم فلقد أشار جونسون الى العديد من أوجه الفشل في هذا المجال وهو المجال الذي يضعه معظم الاقتصاديين على رأس أي استراتيجية لتحقيق نمو مستدام في الإنتاجية والعدالة الاجتماعية-الاقتصادية، لكن يبدو أن طموح الحكومة يقتصر على دعم الاكاديميات (المدارس المستقلة التي تمولها الحكومة) وتعيين معلمين أفضل. ان من الواضح بشكل لا لبس فيه لجميع من يعمل في قطاع التعليم أو يعتمد عليه ان هناك حاجة لعمل المزيد من أجل مساعدة المناطق التي تخلفت عن الركب.
دعونا نأمل ان الورقة الارشادية القادمة سوف تقدّم إطار مناسب للسياسة مع أهداف يمكن مساءلة الحكومة بشأنها. ان رفع مستوى الاقتصاد البريطاني يعني ان على جونسون أولا ان يرفع مستوى خطابه من حيث الأسلوب والمضمون.