بقلم: إبراهيم الزبيدي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- يستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم الاثنين في أول لقاء بينهما منذ تولي بايدن الرئاسة. وكان قد أنفق الكثير من الوقت والجهد والمال على زيارات غير مجدية إلى عواصم عديدة، منها الرياض وأبوظبي ولندن والفاتيكان، وأخيرا بروكسل، مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ونسأل، ماذا يريد الكاظمي من هذه العواصم؟ وتحديداً ماذا يريد من الرئيس الأميركي؟ وماذا تستطيع هذه العواصم وماذا يريد بايدن إعطاءَه لزائره الجديد؟ وما الثمن؟
وبالتدقيق في مفردات المواضيع التي أعلن الجانبان العراقي والأميركي أنهما عازمان على بحثها ومحاولة الوصول إلى اتفاقات مُرضية بشأنها، يتبين أن الزيارة ولدت فاشلة، وأنها لن تختلف عن مجمل زيارات الكاظمي الفاشلة الأخرى السابقة.
فالعراق اليوم بحاجة إلى رئيس حكومة يُشخص أصل الخلل الذي يعاني منه الوطن، بإرادة حرة وعزيمة وشجاعة، ويقرر خوض معارك العلاج مهما كلفه ذلك من ثمن، قبل أن يعبر الحدود إلى الخارج بحثا عن حلول.
فبدون العون العسكري الخارجي لن يمكنه ضبط الأمن، ولا منع الاعتقال الكيفي والاغتيال، ولا ردع العصابات المسلحة من إطلاق الصواريخ والمسيرات على المطارات والمعسكرات والسفارات ومنازل المواطنين، ولا وقف الاختلاس، ولا المحافظة على هيبة الدولة وسلطة القانون، ولا حماية السيادة الوطنية، ولا استعادة المياه التي حبستها إيران وتركيا عن العراق.
ويتساءل العراقيون، هل أن مصطفى الكاظمي هو ذلك القائد الذي يمتلك الإرادة والشجاعة ليطلب من الدول الصديقة والشقيقة، ومن رئيس الولايات المتحدة العظمى الشريكة الاستراتيجية أن تمدّه بالقوة الرادعة الكافية لوضع العراق على طريق النجاة؟
فقادة النظام الإيراني الكبار، وخاصة العسكريين منهم، يتباهون بمناسبة ودون مناسبة بأنهم موجودون في العراق وسوريا واليمن لكي لا يحاربوا أعداء النظام في داخل إيران ذاتها.
وعلي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني يغازل مواطنيه الإيرانيين بقوله إن “دولة الإمام الخميني تمكنت من تحقيق حلم الأجيال، وجعلت من إيران إمبراطوريةً فارسية جديدة عائدةً إلى عاصمتها بغداد”.
وليس بعيدا تصريح الأدميرال علي فادافي قائد البحرية الإيرانية التابعة للحرس الثوري الذي تحدى فيه الولايات المتحدة ونصحها بالانسحاب من العراق ومن منطقة الخليج كلها.
ومنذ أن تمكنت إيران من احتلال العراق وميليشياتُها المرتبطة بالحرس الثوري هي الجيش الأقوى من جيش الدولة العراقية، وهي الحكومة الأعلى من حكومتها، دون ريب.
كان مطلوبا من الحكومة العراقية أن تطلب من الحكومة الأميركية ومن حلف شمال الأطلسي زيادة الدعم العسكري الفاعل الرادع لمساعدة الجيش والقوات المسلحة على ضبط الأمن وحماية الحدود واستعادة سلطة الدولة على المعابر والموانئ والمطارات
يقول رئيس أركان الجيش الإيراني اللواء محمد باقري إن “التحركات الأميركية الأخيرة في المنطقة إذا كانت لديها أدنى نوايا سيئة تجاه أمن بلادنا فسوف تُواجه بأشد ردود الأفعال من قبل الحشد الشعبي والحرس الثوري”.
والأهم والأخطر في تصريحه هذا هو قوله “لقد أصدرنا أمرنا لهم بضرب قواتهم في العراق”.
ثم يهدد قائلا إن “استمرار بقاء القوات الأميركية في العراق رمزٌ لانتهاك السيادة الوطنية العراقية، وإذا لم تكن الإدارة الأميركية ملتزمة بالقوانين الدولية فعليها أن تتقبل تبعات وجودها غير القانوني في الأراضي العراقية، وإن السياسة العامة لحكومة إيران تتمثل في الدفاع عن الحكومة العراقية وحقوقها القانونية”.
إذن، ففي مواجهة واقع من هذا النوع كان مطلوبا من الحكومة العراقية أن تطلب من الحكومة الأميركية ومن حلف شمال الأطلسي زيادة الدعم العسكري الفاعل الرادع لمساعدة الجيش والقوات المسلحة على ضبط الأمن، وحماية الحدود، واستعادة سلطة الدولة على المعابر والموانئ والمطارات.
وبدون ضمان الأمن والاستقرار لن يمكن إطلاق حركة الاقتصاد المنهك من عقالها، ولا تحرير إرادة الحكومة العراقية من الوصاية على العلاقات الخارجية التي منعتها طيلة السنوات الماضية من إقامة علاقات مثمرة ونافعة مع دول الجوار ودول العالم الأخرى.
وحديث رئيس الوزراء ووزير خارجيته عن “ضرورة سحب القوات القتالية الدولية والأميركية من العراق، والإبقاء على المستشارين والمدربين والدعم والمساعدة العسكرية وتطوير القدرات العسكرية للجيش العراقي بصنوفه المختلفة مثل القوة الجوية والدفاع الجوي” إنما يعني أن شيئا لم يتغير وأن الرئيس ووزير خارجيته يجاملان إيران، ويَسترضيان ميليشياتها، ويجعلان العراقيين يقرأون المكتوب من عنوانه الرديء.
فلا خلاف على أن السياسة خصوصا في عراق اليوم تتطلب الحكمة وطول البال، ولكن مع الإصرار الحازم والحاسم والممنهج على تقطيع أذرع الأخطبوط الإيراني خطوة خطوة وبمعاونةٍ خارجية لا بدّ منها.
ولكن إذا كان الكاظمي غير عازم على أن يطلب من بايدن بصراحة ووضوح وشجاعة زيادة الدعم العسكري لحكومته، لا نقصه، فماذا سيكون ممكنا للرئيس الأميركي أن يقدمه لضيفه سوى المجاملات والوعود وأنصاف الحلول، وحتى إشعار آخر؟
وبدون طلب المساعدة على منع إيران وتركيا من العبث بالسيادة الوطنية العراقية، فإن زيارة الكاظمي إلى واشنطن لن تكون بأفضل من زياراته السابقة التي نسي الناس، والكاظمي أولُهم، بياناتها بأسرع ما يكون.