بقلم: علي قباجه – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – مهما بلغ التقارب الدبلوماسي بين روسيا من جهة والغرب عموماً، على وجه الخصوص مع الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لا ينفي الندية بين الطرفين. وأحد أوجه الندية المتصاعدة التي أخذت شكل التصارع وكسر العظم بين المعسكرين، هي الانخراط في سباق تسلح محموم، ليضمن كل طرف التفوق، وحماية مكتسباته ومناطق نفوذه، والتصدي للتهديدات التي تتصاعد حدتها بين الفينة والأخرى.
على الرغم من لقاء الرئيسين الأمريكي بايدن والروسي بوتين، واتفاقهما على خطوط حمر، عبر حل بعض الملفات العالقة، والتفاوض حول أخرى، وكسر الجليد بين الدولتين، فإن ذلك لا يعد النهاية، فاللقاء كان يهدف إلى تخفيف التوتر الذي وصل إلى أعلى مستوياته درءاً لأي تصادم قد تزداد حدته إلى شكل لا يمكن احتواؤه؛ إذ إنه لم يمنع رفض واشنطن القاطع لـ«تهديدات» روسيا لأوكرانيا، وحشدها عسكرياً على الحدود، كما أنه ما زالت تصنف «تجسس» دبلوماسيي موسكو عليها وعلى حلفائها الأوروبيين، عملاً عدائياً مباشراً يستدعي فرض المزيد من العقوبات، في حين أن الكثير من الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن يرفضون المضي بمفاوضات مع روسيا على غرار القمة الرئاسية الأمريكية – الروسية، قبل فرض شروط على موسكو لوقف ما أسموها بـ«التجاوزات».
هذه العوامل مجتمعة، تضع الطرفين في حالة تأهب قصوى، فروسيا وفي نطاق تطوير بنية جيشها العسكرية، كشفت عن المزيد من الأسلحة الاستراتيجية، في استعراض قوة موجه للغرب؛ إذ كشفت عن منظومة صاروخية متقدمة «إس-500 سطح- جو»؛ حيث تبني آمالاً على هذه المنظومة المتقدمة في تعزيز دفاعاتها، وعلى الرغم من أن سابقتها وهي منظومة «إس-400» كانت مصدراً لتوتر جيوسياسي مع الولايات المتحدة التي سعت بشكل حثيث إلى إثناء الدول عن شرائها، وحاولت دون جدوى إقناع تركيا بالتخلي، فإن روسيا مضت في تطويرها، إضافة إلى سعيها إلى بيعها للحلفاء، الأمر الذي يثير حفيظة حلف «الناتو» الذي يتوجس خيفة منها.
موسكو أيضاً كسرت التفوق الأمريكي في مجال تكنولوجيا الطائرات، وأصبحت تنافس بقوة في هذا المضمار؛ حيث أعلنت عن المقاتلة الشبحية الجديدة «كش ملك»، وهي من الجيل الخامس، متضمنة الذكاء الاصطناعي ولها مواصفات فريدة قد تتفوق على نظيرتها الأمريكية «إف 35» في بعض المقاييس.
وخلال السنوات الماضية، فإن روسيا وأمريكا والصين على وجه التحديد عملت حثيثاً على ابتكار وتقديم جيل جديد من الطائرات الشبح والقاذفات والأسلحة المتطورة بأشكالها المختلفة، كما بدأت بتطويع الفضاء للأغراض العسكرية. وهذه الأسلحة لها إمكانيات تتجاوز الأنماط التقليدية في الحروب، بقدرتها على ضرب العدو بشكل مباغت وسريع.
سباق التسلح لا يبشر بخير، فهو يضع العالم على شفير الفناء، وتخفيف التوتر وتحقيق التوازنات بين هذه الدول، هو المطلب الأهم، كي لا تنجرف الأمور إلى الاضطرار لاستخدام هذه الأسلحة؛ إذ لا بد من اتفاقات على غرار «نيو ستارت»، لكن على نطاق أشمل؛ بحيث يتم وضع خطوط لا يتم تجاوزها من أية دولة، ووقف التهديدات بالحرب، وتوجيه الطاقات نحو الحد من الاحتباس الحراري ومواجهة «كورونا» وتبعاته.