بقلم: عبدالله الجنيد – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – كيف يمكن تعريف الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إدارة بايدن والمستشارة الألمانية ميركل حول خط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا (نورد ستريم2) عبر بحر البلطيق، وما هي أبعاده السياسية خارج منظور أمن الطاقة الألماني أولا والأوروبي ثانياً. وهل سيمثل ذلك الاتفاق بداية تخلق مقاربة استراتيجية أوروبية أوروبية بمعزل عن يد واشنطن الثقيلة أُوروبياً؟
منطقة البلطيق هي الأعلى احتقاناً من المنظور الأوروبي، وقد يمثل نورد ستريم2 أولى نقاط الالتقاء أوروبياً (الاتحاد الأوروبي / اسكندينافيا / شرق أوروبا / روسيا الاتحادية) مما قد يسهم في التخفيف من حدة ذلك الاحتقان ولو نسبياً. ولكن لماذا تراجعت واشنطن والآن تحديداً عن معارضتها لذلك المشروع وفي هذا التوقيت؟ وهل سبب ذلك هي محاولة لاستعادة الثقة المهتزة إن لم نقل المفقودة بين الحلفاء، أم أن أوروبا نجحت في احتواء روسيا حيث فشلت واشنطن.
وبمراجعة الأطراف الأوروبية (الشريكة والممولة للمشروع)، فأنها بالتأكيد تمثل إرادة أوروبية تتجاوز إرادتها الاقتصادية، وما إعلان واشنطن عن موافقتها المشروطة في المحافظة على امتيازات أوكرانيا عن عبور الغاز الروسي لأراضيها، وتمويل بعض البرامج التحولية فيها، إلا نوعاً من جبر الخواطر سياسياً إن لم نقل «حفظ ماء وجه واشنطن» في الملف الأوكراني.
أوروبا لن تقبل بتحول حالات الاحتقان إلى أزمات على أراضيها، فهي رغم رفضها للسياسات الروسية في القرم، إلا أنها على قناعة بقدرتها على التخفيف من حدة تلك الأزمة عبر الجهد السياسي، وكذلك بالحد من استفزاز موسكو بشكل أكبر في البحر الأسود والبلطيق. إلا أن ذلك لا يعني قبولها بالأمر الواقع كما يفترض الرئيس فلاديمير بوتين وفي أكثر من ملف، بما في ذلك ضمانات استقرار عموم حوض المتوسط.
المستشارة ميركل قد سبق وأن أعلنت أن أوروبا لن تقبل بالعودة لما كانت عليه في علاقتها مع الولايات المتحدة بغض النظر عن قاطن البيت الأبيض، أكان بايدن أو ترمب. ويبدو أن أوروبا قد أعياها تخبط واشنطن في الملفات الاستراتيجية، من مسار المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي إلى قرار انسحابها المفاجئ من أفغانستان دون التنسيق المسبق مع حلفائها على جدول زمني يضمن عملية انتقالية أكثر سلاسة، ويضمن الحدود الدنيا الضامنة على الاستقرار النسبي المطلوب لتحقيق ذلك.
إنْ نجحت أوروبا في احتواء روسيا، انطلاقاً من ضرورة التكافل الاستراتيجي أوروبياً في إعادة الاستقرار في القرم أولاً، ونزع فتيل الاحتقان في البلطيق، فإن ذلك سيمثل إحدى أهم إشارات الانعتاق الأوروبي من رؤية واشنطن لأمن عموم أوروبا. وقد سبق أن استطاعت برلين التعبير عن ثقلها السياسي لدى موسكو حين أقنعتها بترحيل المعارض الروسي نافالني لتلقي العلاج على أراضيها.
الولايات المتحدة وليس إدارة الرئيس بادين فقط من تجد نفسها على المسرح الدولي وكأنها مندوب تسويق مبتور الإبهام في مؤتمر دولي، فهي عاجزة في التعبير عن عزم إرادتها السياسية عند مصافحة خصم أو ند.
وفي حال نجحت أوروبا في تطوير مقاربة أوروبية شاملة (الاحتواء بدل التصعيد)، فإن ذلك سينعكس على ملفات حرجة قد تشمل أمن واستقرار أفريقيا وخصوصا دول الساحل. كذلك قد تمهد لنظرة أكثر تقارباً نتيجة للمصالح المشتركة وضرورات الاستقرار في عموم حوضي البحر الأسود والمتوسط.