الرئيسية / مقالات رأي / The New York Times: أميركا.. ضعف الصحافة تهديد للديمقراطية

The New York Times: أميركا.. ضعف الصحافة تهديد للديمقراطية

BY: Charles M. Blow

الشرق اليوم – قدِمتُ إلى صحيفة «نيويورك تايمز» في سنة 1992، قبل 29 عاماً في مثل هذا الصيف، كأول متدرب في قسم «الجرافيكس». وصلت إلى مانهاتن، شاباً أسود صغيراً من بلدة ريفية في لويزيانا، فذهلت أيما ذهول. في تلك الأشهر الأولى، رأيتُ كيف كانت واحدةٌ من أفضل قاعات الأخبار في البلاد تغطّي بعضاً من أكبر قصص تلك الفترة، وأثّرت في كصحافي، وفي تقديري للدور القيّم الذي يلعبه الصحافيون في المجتمع. كنت قد وصلت قبل بعد أسابيع من أعمال الشغب التي اندلعت في لوس أنجلوس عقب تبرئة ضباط شرطة في حادث ضرب «رودني كينج»، وقبيل إعادة تأكيد المحكمة العليا للحكم في قضية «رو ضد وايد».

وكانت المدينة في عهدة أول عمدة أسود في تاريخها، وهو «ديفيد دينكنز». وبعد ذلك بوقت قصير، شهدتُ شخصياً ترشيح بيل كلينتون للرئاسة في المؤتمر الوطني لـ«الحزب الديمقراطي» بقاعة «ماديسون سكوير جاردن»، على بعد مسافة قريبة نسبياً إلى الجنوب من مقر صحيفة «نيويورك تايمز».

كما شهدت مسيرة ضخمة – وسياسية جداً – في ساحة «تايمز سكوير» في وقت عانى في المجتمع معاناة شديدة من الإيدز. ففي عام 1992، مات 33 ألفاً و590 أميركياً جراء ذاك المرض في وقت أضحى فيه «السببَ الأول للموت بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 عاماً»، وفق «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها».

كان ذلك وقتاً استثنائياً ليكون فيه المرء صحافياً. وكان التوظيف في قاعة الأخبار في مستوى مرتفع، وطيلة عقد التسعينيات، وحتى في أوائل الألفينيات، كان لا يزال لدى أغلبية طفيفة من الأميركيين قدر كبير أو معقول من الثقة في وسائل الإعلام الإخبارية لنقل الأخبار «بشكل كامل ودقيق ونزيه»، وفق مؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأي. في 1992، لم تكن هناك قناة «إم إس إن بي سي» أو«فوكس نيوز»، ولم يكن هناك «جوجل» أو«فيسبوك» أو«تويتر» أو«إنستغرام» أو«تيك توك». كما أنه لم تكن هناك كثير من المؤسسات الإخبارية على الإنترنت، إن وجدت. ولم تشرع «نيويورك تايمز» في نشر محتواها على الإنترنت إلا في 1996، ووقتها لم تكن بعد القوة المؤثِّرة حقاً التي ستصبح عليها لاحقاً. ومنذ التسعينيات، عرفت قاعات الأخبار تقلصاً ضخماً ومخيفاً حقاً. فيوم الثلاثاء، أصدر«مركز بيو للأبحاث» تقريراً وجد أن «التوظيف في قاعات الأخبار في الولايات المتحدة انخفض بـ26% منذ 2008». والشهر الماضي، نشر«معهد بوينتر» دراسة وجدت أن «الولايات المتحدة جاءت في المرتبة الأخيرة بخصوص الثقة في وسائل الإعلام  بـ29%  من بين 92 ألف مستهلك أخبار استُطلعت آراؤهم في 46 بلداً».

وفضلاً عن ذلك، وجد تقرير أنجزته العام الماضي«مؤسسةُ نايت» وجامعة كارولاينا الشمالية: منذ 2004، فقدت الولايات المتحدة ربع صحفها – 2100 صحيفة. وهذا يشمل 70 صحيفة يومية وأكثر من 2000 صحيفة أسبوعية أو صحف غير يومية. في نهاية 2019، كان لدى الولايات المتحدة 6700 صحيفة، مقارنة مع 9000 تقريباً في 2004. اليوم، أكثر من 200 من مقاطعات البلاد الـ3143 ليست لديها صحيفة ولا مصدر بديل للأخبار الشاملة والموثوقة. ونصف المقاطعات لديها صحيفة واحدة فقط، في حين أن ثلثي المقاطعات ليست لديها صحيفة يومية. الكثير من المناطق التي فقدت صحفاً كانت من بين الأكثر هشاشة في البلاد – إذ تعاني اقتصادياً، وتشكو من العزلة. إن قطاع الإعلام يعاني حقاً، ولكن الجمهور غير واع بهذا الأمر.

فقد وجد استطلاع للرأي أنجزه «مركز بيو للأبحاث» في 2018 أن «معظم الأميركيين يعتقدون أن وسائل إعلامهم الإخبارية المحلية بخير مالياً». ويشرح التقرير أن «نحو 7 من 10 يقولون إن وسائل إعلامهم الإخبارية بخير نوعاً ما، أو بشكل جيد جداً من الناحية المالية (71%)». وأعتقدُ أنني أستطيع فهم هذا التصور الخاطئ. ذلك أن لدينا صحافيين مشاهير – كتّاب وشخصيات إذاعية ومقدمين تلفزيونيين – لم يكونوا موجودين من قبل عموماً.

والأكيد أنه كانت هناك شخصيات ذات شعبية وتحظى بالثقة، ولكن انتشار صحافيي الإثارة هو قطاع متزايد وجديد من الصحافة. وعلاوة على ذلك، بتنا الآن قادرين على الوصول إلى الأخبار وتقاسمها أكثر من أي وقت مضى. وهذا كله يؤدي إلى شعور بأننا نغرق في الأخبار، في حين أن بِركة تلو بركة تجف والبحيرات ما فتئت تتقلص. أتقاسم معكم كل هذا لأقول إن الديمقراطيات لا تستطيع الاستمرار والبقاء من دون مجموعة مشتركة من الحقائق وصحافة قوية ونشطة من أجل كشفها وتقديمها.

فديمقراطيتنا في خطر كبير. والطريقة الوحيدة التي يمكن بها للأكاذيب أن تزدهر مثلما تفعل الآن هي أن تتقلص الصحف وتصغر حجماً ومكانة. ذلك أن الأكاذيب تتقدم حينما تكون الحقيقة في تراجع. إن آباء الولايات المتحدة المؤسسين كانوا يدركون القيمة الكبرى للصحافة، ولهذا حموها في الدستور. وضع لم يحظ به أي قطاع آخر، ولكن الحماية من الكبح والتضييق ليست حماية من التقلص أو الموت والاختفاء. إننا – كبلد — نقترب من وضع يستطيع فيه الفاسد التعامل في الظلام من دون خوف من أن ينكشف أمره تحت ضوء الصحافة!

ترجمة: صحيفة “الاتحاد”

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …