الرئيسية / مقالات رأي / هزائم أمريكا من فيتنام إلى العراق وأفغانستان

هزائم أمريكا من فيتنام إلى العراق وأفغانستان

بقلم: سعد الدين ابراهيم – المصري اليوم 

الشرق اليوم – كان إعلان البيت الأبيض الأمريكي بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، قبل نهاية شهر سبتمبر 2021، هو إعلان مُهذب بالهزيمة، بعد عشرين عاما من محاولة هزيمة حركة طالبان، التي دبّرت أكبر هجوم على بُرجي التجارة العالمي، في قلب أكبر مُدن أمريكا، وهي نيويورك، في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، يوم 11 سبتمبر 2001.

وكان الاعتقاد السائد في واشنطن أن الذين قاموا بذلك الهجوم هم عناصر من تنظيم طالبان الإسلامي المتشدد في أفغانستان. فأمر الرئيس جورج بوش الابن بشن غارات جوية على قواعد ومعسكرات التنظيم في أفغانستان.

ورغم ما بدا من نجاح وفاعلية تِلك الغارات، خلال الأيام والأسابيع الأولى من خريف عشرين 2001، إلا أن الأسابيع والشهور التالية أثبتت أن التنظيم مازال قويا وفاعلا، رغم ما أصاب كوادره وقواعده من خسائر وأضرار. وهو ما تجلى في قيام طالبان بمزيد من العمليات داخل وخارج أفغانستان، ليس فقط ضد أهداف وعناصر أفغانية، ولكن أيضا ضد أهداف وعناصر أمريكية.

بل وكشفت وثائق لخطط طالبان وحُلفائها أنها تهدف إلى هزيمة أمريكا نفسها، إن لم يكن في عُقر دارها، فمن خلال ذلك حول العالم. وعلى طريقة المؤسسات العسكرية المُحترفة، غلبت وجهة النظر القائلة بأن أفضل وسيلة للدفاع عن النفس هي الاستباق بالهجوم على العدو أو الخصم. فبدأت الولايات المتحدة بالفعل في إرسال قوات أمريكية لدعم حُلفائها في أفغانستان، وللقضاء على حركة طالبان. وبدأت طالبان بدورها تجتذب متطوعين من بلدان إسلامية أخرى، في مقدمتها السعودية ومصر. وبدأ العالم يسمع عن أسماء مدن أفغانية مثل كابول وقندهار، وعن قادة المُجاهدين في أفغانستان، مثل الأفغاني الشيخ محمد عُمر، والسعودي أسامة بن لادن، والمصرى أيمن الظواهري.

ولكن أمريكا، بكل قواتها العسكرية، وثرائها الهائل، وحُلفائها الأوروبيين فى حِلف الأطلنطي (الناتو) لم تستطع القضاء على تنظيم طالبان، لا في يوم، ولا في أسبوع، ولا في شهر، ولا في سنة، ولا عشرين سنة. وقد تعاقب على البيت الأبيض في واشنطن خلال تِلك السنوات خمسة رؤساء (بوش، كلينتون، أوباما، ترامب، بايدن). وتضاعفت أعداد قوات التحالف الذي تقوده أمريكا، والقتلى والجرحى من جنودهم، وتكلفة الحرب في أفغانستان. وكل ذلك بلا طائل في هزيمة طالبان.

ولذلك فإن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الخروج من المستنقع الأفغاني، قبل نهاية شهر سبتمبر 2021، هو في رأينا عين الصواب، وقد أدرك الرجل أن تِلك هي أطول حرب خاضتها بلاده في تاريخها، وبلا طائل في الانتصار فيها.

وربما كان مشهد حرب مُماثلة دامت عشر سنوات في فيتنام دون بارقة أمل في الانتصار على قوات مُشابهة لطالبان، وهي قوات حركة الفيت كونغ، وضاقت دائرة الحِصار حول عِدة آلاف من قوات أمريكا في سايجون، حتى أصبح قرار الانسحاب نفسه من آخر معاقل تِلك القوات في العاصمة سايجون صعب التنفيذ، إلا بواسطة طائرات الهليكوبتر، لنقلهم إلى سُفن الأسطول الأمريكي السابح قُرب شواطئ فيتنام في المُحيط الهادئ، وكانت صورة أخر جُندي أمريكي مُعلقا بذراعيه في طائرة هليكوبتر هو توصيف مُكثف يُغني عن ألف كلمة، إعلانا عن تِلك الهزيمة، بعد عشر سنوات من التورط في أدغال وأوحال فيتنام.

ويبدو أن الرئيس جو بايدن، الذي كان عضوا في الكونجرس عايش وشاهد تِلك الهزيمة الشنعاء في فيتنام. وهو بالقطع لا يُريد أن يكون الرئيس الأمريكي الذي يشهد هزيمة مُماثلة في أفغانستان، بعد حرب تجاوزت، في سنواتها، كل حروب أمريكا منذ استقلالها عام 1776.

ومن المُفارقات أن ذلك البلد الأسبق الذي حاربت قوات مقاومته الشعبية دولة أوروبية هي فرنسا، لمدة عشر سنوات، وأجبرت كبرى قلاعها على الاستسلام في ديان بيان فو في ربيع 1955، ثم كررت نفس الشيء مع قوات أقوى جيوش العالم وأغنى دولة، وهي الولايات المتحدة، تُعلن أنها ستسحب آخر قواتها الميدانية من أفغانستان قبل نهاية شهر سبتمبر 2021. وهو إعلان مُهذب بالهزيمة لكل من أمريكا وخُلفائها الغربيين، تاركين الحكومة الأفغانية التي يرأسها الدكتور أشرف عبدالغني لمصير شبه مجهول. من ذلك أن الجيش الأفغانى الذى درّبته وسلّحته أمريكا سيواجه نفس التحدي الذي أجبر أمريكا على الرحيل أو الانسحاب.

إن المُعضلة التي سيواجهها الرئيس أشرف عبدالغني وجيش نظامه هي عدم القُدرة على مواصلة المواجهة المُسلحة مع تنظيم حركة طالبان، التي تمرّست قياداتها وكوادرها على حرب الاستنزاف المُمتدة، والتي، كما ذكرنا أعلاه، أجبرت أقوى دول العالم، وهي الولايات المتحدة، على الانسحاب بعد عشرين سنة، هي أطول حروب أمريكا على الإطلاق.

ولم تُضيع حركة طالبان الوقت، فهي الآن تنتقل من أسلوب الكر والفر إلى أسلوب الاستيلاء والثبات وإقامة سُلطتها المحلية في كل موقع تنسحب منه القوات الأمريكية، وهو ما يعنى أن المواجهات المُسلحة في المرحلة القادمة من الصراع ستكون أفغانية – أفغانية.

وتؤمن حركة طالبان، التي أجبرت قوة عُظمى، هي الاتحاد السوفييتي، على الانسحاب دون نصر من بلادها عام 1980، وهو ما كان أحد أهم العوامل في سقوط النظام السوفييتي بعد خمسة وستين عاما في روسيا البلشفية (1914- 1980)، وها هي تُجبر القُطب العالمي الأقوى على انسحاب مُماثل دون نصر.

ورغم أن النظام الأمريكي لديه مناعة داخلية ضد السقوط الذي حدث لمُنافسه السوفييتي قبل ثلاثين عاما، إلا أن هزيمة أمريكا في أفغانستان قد أضعفتها معنويا، ويعطي الفُرصة لقوة كونية أخرى، وهي الصين، لتحديها في قيادة العالم. وهو ما سنتطرق إليه في مقال قادم، بمناسبة مئوية الصعود الصيني (1921- 2021). وعلى الله قصد السبيل.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …