افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – وصل انتشار فيروس كورونا في تونس إلى حد الكارثة الوطنية، خصوصاً بعد انهيار المنظومة الصحية وانتشار غير مسبوق للسلالات المتحورة: البريطانية «ألفا»، والهندية «دلتا» في مختلف الولايات التونسية، وارتفاع عدد الوفيات إلى 100 يومياً، وتجاوز عدد الإصابات 1700 لكل ألف ساكن، وهي أرقام قياسية لم تسجل حتى في الهند التي شهدت خلال الأشهر الأخيرة وضعاً كارثياً.
ومن المتوقع بلوغ سقف الوفيات 300 حالة يومياً مع نهاية الشهر الحالي، وهو الأعلى في إفريقيا وبين الدول العربية، حسب منظمة الصحة العالمية.
المستشفيات التونسية باتت عاجزة عن استقبال مزيد من المصابين، إضافة إلى نقص في الأوكسجين، حيث يُطلق المواطنون عبر شبكات التواصل الاجتماعي نداءاتهم بحثاً عن أجهزة التنفس.
الاختصاصيون في علم الأوبئة يتوقعون أن تستمر الموجة الحالية للفيروس بين 8 و11 أسبوعاً قبل أن تتراجع، وذلك بشرط الالتزام بالبروتوكول الوقائي.
وما زاد الطين بلة أن وزير الصحة قرر استدعاء كل التونسيين فوق 18 عاماً لتلقي اللقاحات يوم عيد الأضحى، مما أدى إلى زيادة غير متوقعة في عدد المصابين جراء الازدحام الذي شهدته مراكز التلقيح، حيث تدفق عشرات آلاف الشبان إلى هذه المراكز على الرغم من عدم توفر اللقاحات الكافية، ما دعا رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى إقالة وزير الصحة فوزي مهدي، واتهامه باتخاذ «قرارات شعبوية وإجرامية».
أمام هذا الواقع الكارثي وجّه الرئيس قيس سعيّد نداء إلى مختلف دول العالم للمسارعة إلى مساعدة تونس لتفادي الكارثة الصحية، وقد لبّت العديد من الدول النداء على الفور، ومن بينها دولة الإمارات ودول عربية وأوروبية، ووضعت كل هذه المساعدات تحت إشراف المؤسسة العسكرية التونسية التي أنيطت بها إدارة الأزمة بدلاً من وزارة الصحة، وذلك بأمر من الرئيس سعيّد الذي قام قبل يومين، بزيارة تفقدية لمراكز التلقيح في عدد من أحياء العاصمة للوقوف على سير العمل فيها.
وقال سعيّد: «إن إدارة العملية تم وضعها تحت الإدارة العامة للصحة العسكرية، بما في ذلك المعدات، وسيوضع نظام قانوني لهذه المعدات التي أتت من كل البلدان».
إن تكليف المؤسسة العسكرية بالقيام بهذا الدور بعد انهيار النظام الصحي، وفشل وزير الصحة في القيام بمهمته، وتعريض البلاد لمخاطر لا تُحمد عقباها، هو قرار صائب، باعتبار أن المؤسسة العسكرية أكثر انضباطاً وتشدداً وقدرة على القيام بهذه المسؤولية، من دون حسابات سياسية أو مناطقية أو شعبوية.
إن تونس التي تعاني أوضاعاً سياسية مأزومة، وصراعات بين المؤسسات التنفيذية، إضافة إلى أزمات اقتصادية ومعيشية ومالية غير مسبوقة، جاءت جائحة كورونا لتعمق من جراحها، وتزيدها مأساوية.