الشرق اليوم- عادت قضية انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلى الطاولة مجددا خلال المفاوضات الجارية بين الطرفين في واشنطن، وتوقعت بيانات صادرة عن بغداد بأن تكون نهاية العام فاصلة في هذا الأمر، فهل تنسحب واشنطن فعليا من العراق أم تعيد ترتيب أوضاعها؟
ما مصير التواجد الأمريكي في العراق بنهاية العام 2021؟
في البداية، يرى المحلل السياسي العراقي، عباس العرداوي، أن “هناك ضغوطا مورست على الجانب الأمريكي من قبل الشعب العراقي، سواء كانت الحكومة الحالية بقيادة مصطفى الكاظمي، أو في عهد حكومة عادل عبد المهدي والتي تم في فترة قيادتها للبلاد صدور القرار البرلماني في 5 يناير 2020، يدعو إلى خروج القوات الأمريكية من البلاد، حيث اندلعت على إثر هذا القرار تظاهرات حاشدة في الشارع العراقي، تنديدا بالتواجد الأمريكي الذي يحاول الالتفاف والتواجد غير الرسمي ضمن التحالف الدولي وغيره”.
محاولات الالتفاف
وأضاف العرداوي: “إن محاولات الالتفاف الأمريكي على قرار البرلمان، أخذت مسارات كثيرة ومتعددة، من بينها ذهاب كل القوى السياسية للضغط على الحكومة، واليوم هناك محاولة أمريكية لتمرير انسحاب شكلي، والأمور أكبر من يكون هناك انسحاب شكلي، وهناك ضغوط على حكومة الكاظمي لأجل أن تنسحب القوات الأمريكية بشكل تام بعيدا عن المراوغة وتغيير المسميات”.
وتابع المحلل السياسي: “تنسيقية المقاومة العراقية، أعلنت أنها لن تقبل بغير الانسحاب الفعلي، حيث أن تحركات القوات الأمريكية على الأرض وقواعدها وانتشار أفرادها، وتمرير قطاعات من خلال منافذ غربية وجنوبية للعراق، والجسور الجوية والتواجد العسكري الكبير للأمريكان بالعراق ضمن طاقم السفارة، كل هذه مؤشرات تدل على أنه لا توجد نية فعلية للانسحاب من البلاد، وكل تلك الإعلانات هي محاولة لخداع الشعب في ظل تلك القوانين”.
وقال العرادوي: “إن الحديث عن بقاء القوات الأمريكية لتدريب الكوادر العراقية، هي “أكذوبة كبرى” لأن عمليات التدريب تكون على الأسلحة والمعدات الجديدة، وقد خضنا تلك التجربة قبل العام 2014، عندما أخفقت القوات الأمنية في الوقوف أمام عصابات “داعش”، وانتهى الموضوع بتشكيل تحالف دولي لمحاربة التنظيم، أما الآن، فالشعب العراقي تشكّل لديه وعي كبير ورأى بنفسه نتائج التدريب ولا يرغب في تكرارها مرة أخرى”.
الوعي الشعبي
وأشار المحلل السياسي إلى أن “داعش” حاول العودة مجددا، لكنه وجد نفسه ضعيفا أمام قدرات القوات الأمنية العراقية التي تعززت بعد انتصارات العام 2017 على التنظيم، بجانب وجود الحشد الشعبي الذي يشكل صمام أمان، كذلك فقد التنظيم حواضنه الشعبية التي كانت متواجدة في العام 2014، اليوم الشعب العراقي متلاحم وواعي ويعلم أن “داعش” هو مشروع لتفتيت وحدة العراق، قبل أن يكون متعلقا بعقائد وأيديولوجيات”.
إعادة الانتشار
من ناحيته، قال القيادي في الميثاق الوطني العراقي، عبد القادر النايل، “إن المليشيات التي تدّعي أنها مقاومة، هي من شاركت الاحتلال الأمريكي منذ بدايته في تشكيلات مجلس الحكم، وأمر “بول بريمر” رئيس سلطة الاحتلال عام 2003، المعروف بقرار 91 الذي نص على دمج المليشيات في المؤسسة العسكرية والأمنية بعد حل الجيش العراقي”.
وأضاف: “هذه الفصائل المسمّاة مقاومة، لم تقتل أمريكيا واحدا في العراق، فكيف نسمّيها مقاومة، وادّعاءها برفض التواجد الأمريكي جاء بناءا على الرغبات الإيرانية وليس لأنها تدّعي المقاومة”.
وأشار القيادي في الميثاق الوطني إلى أن “أمريكا تعيد انتشارها في العراق والشرق الأوسط، وهذا ليس استجابة لضغط هذه المليشيات وتهديداتها، لأنها تريد إدامة الصراع في عموم المنطقة، وهذا ما دفعها للانسحاب من أفغانستان تطبيقا لتفرغها في صراعها مع الصين، وعدم السماح بإعادة القطبية الثنائية في قيادة العالم كما كان سابقا بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا”.
وأوضح النايل أن “تحويل القوات الأمريكية من قوات قتالية إلى قوات تدريبية هو تلاعب بالمصطلحات، أما على أرض الميدان لن يتغير شيئا ولايمكن لأمريكا الانسحاب من العراق وسوريا في الوقت الحاضر، لأن الصراع على إيقاف طريق الحرير الذي تريده الصين وتنفّذه إيران يمر عبر العراق وسوريا، وهذا ما دفع وزير الخارجية الصيني لزيارة سوريا مؤخرا”.
تحمل المسؤولية
ولفت إلى أن “هذا الإجراء هو لإعادة ترتيب أوراق حلف الناتو والجيش الأمريكي، وحفظ ماء وجه المليشيات التي أحرجت بعد إعلانها بضرورة سحب القوات الأمريكية من العراق، ولأن أمريكا تريد المحافظة على العملية السياسية وإجراء الانتخابات ذهبت للحوار الاستراتيجي، وحتى لا يبقى مبرر للمليشيات بقصف البعثات الدبلوماسية وإحراج أمريكا والحكومة في العراق سياسيا أمام العالم، لذا أعلنوا تبديل مهمات القوات الأمريكية وهو تلاعب بالمصطلحات ليس إلا وذر الرماد في العيون”.
وأكد “أن الشعب العراقي ونحن في الميثاق الوطني، والقوى الوطنية العراقية الحقيقية مع انسحاب كامل للقوات الأمريكية من البلاد ونحمّلها المسؤولية الكاملة عن استمرار مأساة الشعب العراقي، ونطمئن العالم والشعب أنه في حالة انسحاب أمريكا، فإن العراقيين قادرين على إدارة بلدهم وإنهاء المليشيات والسلاح المنفلت والإرهاب، متعهدين بسلامة كل دول الجوار والعالم بأن يكون العراق واحة السلام والأمان”.
توتر وفوضى
وحول المفاوضات الجارية في الولايات المتحدة، قال النايل، كيف تجرى المفاوضات لسحب القوات الأمريكية في بلد الاحتلال: “لو كانوا صادقين في ذلك، أليس من العدالة أن تكون المفاوضات عند طرف ثالث، وهذا يؤكد أن أدعياء المقاومة من المليشيات التي سمحت أمريكا لهم بالعمل وممارسة أعمالهم داخل العراق وخارجه ليسو جادّين، وإلا كيف يفاوضون على الأراضي الأمريكية من أجل الاستقلال، وأتوقع أن يكون الرّد الأمريكي عبر دفع حلف الناتو أكثر في العراق، وسيمارس الجيش الأمريكي نشاطه تحت مظلة التحالف، مما سيضع المرحلة القادمة تحت توتر وفوضى كبيرة، وسيكون الشعب ضحية لتلك الصراعات الدموية”.
هذا وألمح مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، يوم أمس الجمعة، خلال ترأسه الوفد العراقي الفني خلال اجتماع مع الوفد الأمريكي، إلى إمكانية خروج القوات الأمريكية من البلاد نهاية العام الحالي.
ووفقا لما ورد في بيان صحفي صادر عن مكتبه، نقل عنه قوله: “أكدنا للجانب الأمريكي عدم حاجة العراق لأي قوة قتالية أجنبية على أراضيه، وسيكون ليوم 31 ديسمبر 2021 طعم خاص”.
وفي وقت سابق من يوم أمس، أكدت “تنسيقية المقاومة العراقية”، أنها لن تسمح “بوجود أي جندي أمريكي داخل البلاد مهما كانت صفته، أو تحت أي ذريعة”، وفقا لبيان رسمي.
المصدر: سبوتنيك