بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- يفرض فشل ملتقى الحوار السياسي الليبي في التوافق على القاعدة الدستورية، التي ستُجرى على أساسها الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل، النظر جدياً في خيارات أخرى لإصدار هذه القاعدة قبل أن يتمكن أصحاب المصلحة في تعطيل المسار السياسي من تحقيق هدفهم.
ويحسن أن تبدأ البعثة الأممية لدى ليبيا في فحص الخيارات المتاحة لإنقاذ الانتخابات من أجل تحديد أفضلها وأكثرها واقعية، بالتشاور مع الحكومة والمجلس الرئاسي، من دون انتظار نتائج الدور الذي أوكل إلى لجنة توفيق شُكلت في الجولة الأخيرة لملتقى الحوار السياسي نهاية الشهر الماضي، وأُعطيت مهلة حتى آخر شهر يوليو الجاري.
فعندما تنتهي هذه المهلة، سيكون قد بقي نحو 20 أسبوعاً فقط على الموعد المحدد للانتخابات، بعد أن أدى التعطيل العمدي إلى تجاوز الجدول الزمني المُحدد في عملية برلين، وهو أن تكون القاعدة الدستورية والقوانين المنظمة للانتخابات جاهزة في الأول من يوليو الجاري. فليس متوقعاً أن تتمكن لجنة التوفيق من إنجاز توافق استعصى على مدى أشهر، مادام الخائفون من أن تكشف الانتخابات حجمهم الحقيقي مُمثلين في ملتقى الحوار بأكبر من حجمهم، ويستطيعون إفساد أية محاولة للتوفيق، ويراهنون على فرض أمر واقع يؤدي إلى تأجيل الانتخابات.
وعندما نتأمل شريط الأحداث في الأشهر الأخيرة، نجد أن البعثة الأممية لدى ليبيا ظلت تراهن على بناء توافق كان واضحاً أنه غير ممكن. فلا يتيسر التوفيق بين أغلبية تريد انتخابات تشريعية ورئاسية وفق قاعدة دستورية مألوفة ومعمول بمثلها في معظم دول العالم، وتقضي بإجرائها بالانتخاب المباشر من الشعب، وأقلية تطرح شروطاً بهدف تعطيل إصدار هذه القاعدة، ومن ثم تأجيل الانتخابات. ومن هذه الشروط، مثلاً، أن يتم انتخاب الرئيس بوساطة أعضاء البرلمان، وليس من الشعب، أو تقليص صلاحياته ليكون رئيساً شرفياً في حالة انتخابه بشكل مباشر، أو إجراء انتخابات تشريعية أولاً، على أن يتولى البرلمان المُنتخب عرض مشروع الدستور للاستفتاء العام، ثم الإعداد للانتخابات الرئاسية، أو إجراء استفتاء قبل كل شيء على هذا المشروع، وبالتالي إرجاء الانتخابات بشقيها إلى مرحلة تالية.
ولهذا لا تؤدي المساواة بين أغلبية كبيرة وأقلية صغيرة في مثل هذه الظروف، تحت شعار أفضلية التوافق، إلا إلى تفاقم معاناة الشعب الليبي التي طال أمدها. وليس من العدل أو المنطقي التضحية بمستقبل ليبيا من أجل تحقيق توافق بات واضحاً أنه غير ممكن.
ولهذا صار ضرورياً إنقاذ الانتخابات من تأجيل يحمل في طياته أخطاراً كبيرة، وأصبح واجباً على البعثة الأممية أن تحسم هذا الموضوع، وأن تلجأ إلى أحد الخيارات التي تمثل بدائل ممكنة لتوافق مستحيل.
أول هذه الخيارات أن يضطلع مجلس النواب بمناقشة القاعدة الدستورية وإصدارها، على أساس أنه صاحب الحق الأصيل في التشريع. وقد فتح المبعوث الأممي “يان كوبيش” الباب أمام هذا الخيار قبيل انتهاء الجولة الأخيرة لملتقى الحوار قبل أيام، إذ تحدث عن أحقية مجلس النواب في إصدار القاعدة الدستورية والقوانين المنظمة للانتخابات.
والخيار الثاني أن تتشاور البعثة الأممية مع المجلس الرئاسي والحكومة للتفاهم على القاعدة الدستورية التي تُحقَّق مصلحة ليبيا وشعبها. وفي حالة التوصل إلى هذا التفاهم، تصدر القاعدة الدستورية بمرسوم رئاسي، وتُحال إلى مجلس النواب للموافقة عليها.
أما الخيار الثالث فهو أن تقوم البعثة الأممية، في إطار صلاحياتها، بحل ملتقى الحوار واختيار بديل عنه أكثر تعبيراً عن المكونات الحقيقية للشعب الليبي. ولكن عيب هذا الخيار أنه يحتاج وقتاً قد يطول على نحو يؤدي إلى تجاوز الموعد المحدد للانتخابات، الأمر الذي يجعل كلاً من الخيارين السابقين أفضل وأكثر واقعية.