بقلم: د. محمد البشاري – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – عند الحديث عن حجم المشكلة التي قُذفت في وجه الأنظمة العالمية، جراء تفشي وباء (كوفيد- 19)، يكفي تصور حجم الضرر الدافع باقتصادات العالم لاستنزاف التريليونات المدخرة من صندوق «الاحتياط» في غضون أولى الشهور من (عام اندلاع الوباء) في 2019 في ضوء تأرجح مواقع القيادة ونواة الهيمنة العالمية المحيطة بنظام العالم المعروف بهيكلته قبل الجائحة.
وهو ذات الحدث الذي يشير لخسفة أصابت الجسد الاقتصادي، مما يعني وباءً اقتصادياً طويل الأمد، معوزاً لفترة تعافي، بإرهاصات متلاحقة. الأمر الذي أشارت له وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، ذلك أن الجائحة تسببت برفع مستويات الدين في الدول الأكثر ثراءً في العالم بنحو 20 نقطة مئوية في المتوسط لعام 2020، ليصل الضرر المترتب ذاته خلال الأزمة المالية تقريباً. سيما أن هذا الاصطدام العالمي بالواقع الصعب، أو كما أطلق عليه «معلم تاريخي» جعل من الجائحة مفصلاً بارز الملامح بين مرحلتين بارزتين للعولمة، وفي الوقت ذاته أوجدت الأزمة الصحية، تصعيداً قاسياً في أطر المجال السياسي، والاقتصادي، والنفسي، وغيره.
«الآثار الاقتصادية جراء وباء كورونا لم يتم تقييمها بعد، لكن من الواضح بالفعل أن واقعاً جديداً يتشكل في العالم» هذا ما وجهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشعبه، وفي ظل مخرجات التطورات المتلاحقة منذ بداية الجائحة، فهل من الدقيق القول بأن هناك نظاماً عالمياً جديداً؟ وما هي معايير جدته، وما هي ميزاته؟ وبماذا يختلف عن «حقبة ما قبل كورونا»؟. إن العديد من الخبراء والسياسيين، من مثل الديبلوماسي الأميركي «ريتشارد هاس»، رجحوا اعتبار الأزمة العالمية باعتبارها «عامل تسريع»، لا إعادة تشكيل، مما يعني معركة حامية الوطيس في ساحة التنافس العالمي، وانقسام القوى العظمى، وتبلورها في الفترة القادمة، وتشجيعها على بناء «منظومة اكتفاء» بحيث لا تتعرض خلال الأزمات لنكسات وعوز حاد في السلع والمستلزمات بشتى أصنافها، كما مر عليها في الفترة الآنفة.
وفي الحديث عن التسريع في التنافس، ومعطياته، فإن الدول باتت اليوم تفرض سيطرتها وتثبت قوة إدارتها من خلال تفويت الفرص على الجائحة من التهام مجتمعاتها، والحفاظ على صورتها العالمية في ظل الوباء، ومحاولاتها مد يد العون لتكون أرضية قوية، وعلاقات متينة ممتدة، في زمن «اللاانكفاء»، والنشاط التعاوني، والعمل الجماعي، وهو سباق عالمي تداخلت فيه أطراف المعارف ليكون عدة أهداف متنوعة الفروع، من أهداف سياسية، واقتصادية، وصحية، وثقافية، واجتماعية، تدفع بإنجاحها مجالات مغايرة من مثل القطاعات الإعلامية، والتربوية، والعلمية، وعلى شاكلته.
وقياساً على كفاءة الدول في إدارة هذا الملف بتشعباته الهائلة تكون الصورة لتلك الدولة أمام النظام العالمي بمجمله، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الصين كدولة مثلت مركز انطلاق الصراع بين العالم والفيروس التاجي، وبالرغم مما تتفانى في تقديمه تخفيفاً من وطأة هذا الفيروس، فهي لا تزال محط انتقاد من قبل شارع عالمي ليس بالهين مجاراته، وذلك كما رأينا في تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب استناداً على ما وقعت به منظمة الصحة العالمية من فشل في تحديد طرق العدوى، والسيطرة على انتشاره بادئ ذي بدء، الأمر الذي يؤكد أن إحكام السيطرة على الملف الوبائي يستلزم سلسلة من الجهود المحكمة والدقيقة التي بات العالم لا يرحم خطئها ولا يتقبله في ظل معاناته المؤلمة تلك. ومن ناحية أخرى، فإن بروز القوى العالمية القادمة يحتاج نفساً طويلاً من الذكاء في تحديد مواجهة المستجدات، والسيطرة على التداعيات، الأمر الذي من شأنه أن يقوي الآراء التي استبعدت المواجهة العسكرية بين القوى العالمية مؤيدةً تصاعد أدخنة الحرب الباردة رويداً رويداً.