افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يكن اعتذار سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية المكلف، مفاجئاً لمن يعرف ما وصل إليه لبنان خلال السنوات القليلة الماضية من حالة انهيار سياسي واقتصادي ومالي واجتماعي.
كان الاعتذار وارداً منذ تكليفه قبل تسعة شهور، لأن الانسداد السياسي وصل إلى طريق مسدود لم يعد يفيد فيه الترقيع. فقد اتسع الخرق على الراتق، ولن يستطيع لا الحريري ولا غيره تحقيق معجزة الإنقاذ، طالما أن النظام السياسي قائم في الأساس على خلل بنيوي، كلما جرى ترميمه تعرض للتآكل والاهتراء. فالتسويات التي جرت منذ استقلال لبنان عام 1943 كانت تسويات هشة، حدث ذلك عام 1952، ثم 1958، ثم 1990، بعد أزمات سياسية وحروب أهلية. فكل تسوية كانت تستولد أزمة بعد حين، وصولاً إلى الوقت الراهن حيث وصلت التسويات إلى طريق مسدود بانتظار معجزة تقود إلى تسوية.
أجل، المشكلة في النظام الطائفي القائم الذي قام لبنان على أساسه، والذي أدى إلى قيام منظومة سياسية تستند في وجودها إلى طوائفها، بحيث باتت الطائفة هي الملاذ، بدلاً من الهوية الوطنية الجامعة.
لقد حاولت تسوية الطائف بعد الحرب الأهلية عام 1975، ترقيع النظام من خلال إلغاء الطائفية السياسية التي صارت نصاً دستورياً، لكن أرباب السلطة والطوائف وقفوا حجر عثرة، ليقينهم بأن إلغاء الطائفية السياسية قد يكون مقدمة لإلغاء وجودهم وامتيازاتهم، وبالتالي إضعاف سطوتهم على طوائفهم التي تشكل سبب وجودهم.
لقد كان من الطبيعي في ظل هكذا نظام أن تصل الأمور إلى هذا الحد من البؤس والانهيار في مختلف مجالات الحياة، خصوصاً أن الفساد الذي تغلغل في مفاصل الدولة، جراء تطييف الفساد، أدى إلى نهب المال العام وأكل مدخرات الناس، وانهيار قيمة العملة الوطنية، وتعميم الفقر، وانعدم الدواء والكهرباء، وكل ما له علاقة بالحياة اليومية.
هناك صراع داخل المنظومة الحاكمة ليس على كيفية إنقاذ لبنان من مأزقه، لكن حول ما يسمى الحصص وحقوق الطوائف، رغم أن الفساد المستشري لم يترك حصصاً ولا حقوقاً لأحد.
الحقيقة أنه لا يمكن لنخب طائفية أن تبني دولة وطنية، ولا أن تقيم عدالة ومساواة بين المواطنين. ولا يمكن لفاسدين أن يحاربوا الفساد، أو يستردوا المال العام المنهوب، فكيف يمكن لثعالب أن ترعى القطيع؟
إن الطبقة السياسية والطائفية اللبنانية التي أغرقت البلاد في الفساد، والأزمات السياسية الممتدة، وأوقعته بحروب أهلية، ما زالت هي نفسها التي يعوّل عليها العالم بأن تتولى الإنقاذ، ويقوم بمبادرات سياسية واقتصادية لعلها تكون حبل النجاة.
الحقيقة، أن من يريد محاربة الفساد عليه أن ينظف نفسه أولاً من الفساد. ذلك أن الفساد يهبط من أعلى إلى أسفل، والإصلاح يبدأ من أسفل إلى أعلى. وعليه لا بد أولاً من إصلاح النظام القائم الذي أسس لسلطة طائفية فاسدة.. لأن لبنان يعيش مع هكذا سلطة أزمة وجود.