بقلم: عمرو فاروق – النهار العربي
الشرق اليوم- هل تهاوت جماعة “الإخوان المسلمين” فكرياً وسياسياً في ظل أبجدياتها وأدبياتها الفكرية والتنظيمية والتنظيرية؟ هل انتهت القصة حقاً؟ هل تلاشت فعلياً أسطورة حسن البنا وقداسة سيد قطب وذهنية أبو الأعلى المودودي؟ هل تعيش الجماعة أياماً خوالي تفلتت وتفككت فيها قواعدها التنظيمية بعد ضربات متلاحقة أمنياً أجهضت مساعيها في قيام دولة مستحيلة؟
هل فشلت أطروحات ممثلي الإسلام السياسي ومشاريعهم؟ وهل فطن الإخوان الى أن بضاعتهم الرائجة لم تعد تسمن ولا تغني في معين البشرية شيئاً؟ وهل أدركوا أن الإسلام لم يسقط بسقوط “الخلافة”، وأنها ليست من أركان الإسلام ولا أصول الشريعة وفرائضها؟ هل جُففت مصادر التمويل وتوقفت الدول الراعية للإرهاب عن دعمها للمشروع الإخواني الذي باتت ملامحه مبعثرة؟
العديد من الأسئلة تدور في أذهان الكثير من الباحثين والمعنيين بملف تيارات الإسلام الحركي، وتقديرات الموقف حول جماعة الإخوان ومستقبلها في ظل الصراعات الداخلية التي تضرب مكوّنها التنظيمي، واحتكار صناعة قرارها في أيدي فئة محددة هيمنت على قمة المشهد الداخلي.
لكن قبل أن نعبر على مساحات الخلل والتفكك الذي أطاح الإخوان من قمة المشهد إلى براثن السقوط المدوّي، لا بد من أن نضع أيدينا على الوصف الأدق للمرحلة التي تحياها الجماعة وقواعدها، والتي هي أقرب إلى ما يُعرف بـ”التّيه” الفكري والتنظيمي.
لا ينكر أحد أن جماعة الإخوان تعيش أسوأ مراحلها التاريخية منذ تأسيسها على يد حسن البنا عام 1928، إذ إن معظم الأزمات التي لحقت بها تدور في فلك الصدام والصراع مع النظم السياسية، في إطار مظلومية استثمرتها في الحصول على مكاسب شعبية وسياسية واجتماعية، لكنها الآن في موضع مختلف تماماً، بعدما ضربت الخلافات صفوفها الداخلية وأضحى التمرد التنظيمي بين قواعدها ثيمة أساسية، ناهيك بالارتباك الفكري، وسقوط عباءة القداسة عن القادة الفعليين.
تحكّمت في مسارات الجماعة على مدار تاريخها مجموعة من الضوابط التنظيمية، تبعاً لما يُعرف بـ”فقه التّمكين”، من خلال التغلغل في قطاعات الطلاب والعمال والمهنيين ورجال الأعمال ومؤسسات الدولة، وخلق حواضن اجتماعية وسياسية واقتصادية؛ تجعل من مواجهة الدولة لهم أكثر تعقيداً.
وعقب سقوط الجماعة في 30 حزيران (يونيو) 2013، اتّجهت الى ما يسمى بـ”فقه الاستضعاف”؛ وهي مرحلة يتحوّل فيها التنظيم من “الخلايا الهيكلية”، إلى “الخلايا العنقودية”، سعياً في تفكيك الجبهة الداخلية للدولة المصرية، وزعزعة استقرارها، عبر ثلاثة مسارات “الجهاد المسلح”، و”الجهاد السياسي”، و”الجهاد الإعلامي”.
في ظل الارتباك الفكري والتخبط التنظيمي، انتقلت الجماعة فعلياً إلى حالة “التيه”، المصاحب للانهيار التام، ما دفعها للتقوقع أو للتعايش مع ظاهرة “الكمون التنظيمي”، معتمدة على استراتيجية “دار الأرقم”، أو ما يُطلق عليه “التربية والدعوة السرية”، في محاولة لصناعة تكوينات فكرية جديدة، تعيد من خلالها صياغة الإشكاليات والعثرات التي لحقت بها على المستوى السياسي والاجتماعي والتنظيمي.
تدرك جماعة الإخوان وقواعدها أنها لم تعد أحد مكوّنات الحالة السياسية المصرية، وأنها لن تصبح رقماً في معادلة الحكم لمرحلة زمنية طويلة، بناءً على ترتيبات المشهد السياسي الجديد، وفي ظل “الجمهورية الجديدة” التي تضع ضمن توجهاتها القضاء التام على أي مرتكزات إخوانية في مفاصل الدولة المصرية عبر تشريعات قانونية ودستورية.
عدد كبير من القيادات المؤثرة فكرياً وتاريخياً في جماعة الإخوان يقبعون حالياً داخل السجون المصرية، بعد محاكمتهم قضائياً بتهم متعلقة بالتطرف والإرهاب، حصدوا خلالها العشرات من الأحكام النهائية ما بين الإعدام والمؤبد، والتي من شأنها أن تجعلهم خارج الخدمة التنظيمية، لا سيما أن النظام السياسي المصري الحالي جدّ في تنفيذ العقوبة وأن مسألة العفو عنهم غير واردة في قاموس الوضع السياسي الراهن.
ببراغماتية شديدة، تيقّن القائم بأعمال مرشد الإخوان، إبراهيم منير، (تلميذ سيد قطب)، أنه واقعياً المهيمن الأقوى على سلطة الجماعة ومفاصلها، والأحق بتمرير رؤيته وسياساته، مهمشاً منافسيه من خلال إصدار قرارات فاعلة تحكم سطوته على مراكز القيادة والقطاعات التنفيذية، وتهدف لصناعة حالة تتسق مع الديكتاتورية التنظيمية التي يمثلها “المرشد الأكبر”.
قرارات منير تسببت في استمرار حالة الغليان الداخلي بين الأطراف المتنازعة على سلطة التنظيم منذ القبض على محمود عزت، بخاصة مجموعة “مكتب تركيا”، لا سيما إلغاءه الفاعلية الرمزية لمكتب الإرشاد في القاهرة، في ظل الأوضاع الراهنة، واستبداله بـ”الهيئة العليا”، وإلغاء الأمانة العامة، وإعادة تموضع مركز القيادة التنظيمية من العمق القاهرة إلى لندن، التي أصبحت “العاصمة الأولى”، بعد تراجع الجماعة وتفككها في المنطقة العربية عامةً. الى جانب قيامه أخيراً بحل مكتب الإخوان في تركيا، وحل مجلس الشورى العام، وتأجيل انتخاباته 6 أشهر كاملة، واضعاً شروطاً ترتكز على عدم اختيار أو ترشح العناصر السابقة، وألا يزيد عمر المرشحين الجدد عن 45 عاماً، في إطار ضربة استباقية للقضاء على خصومه الذين أعاقوا تنفيذ سياساته على مدار الأشهر الماضية، واستبدالهم بعناصر قادمة من الصفوف الخلفية تدين له بالولاء المطلق، ما يمنحه الانفراد بصناعة القرار الداخلي، والتحكم في مختلف الملفات المالية والسياسية والفكرية والتنظيمية.
يواجه إبراهيم منير إشكالية كبرى تتمثل في تعالي الأصوات المنادية بتدويل منصب المرشد، والتمرد على العرف المتبع بقصر المنصب على “إخوان مصر”، بعد انهيار المكوّن التنظيمي داخل القاهرة، في ظل وجود شخصيات عربية تتمتع بثقل تاريخي وتنظيمي يمكنها أن تكون في واجهة الجماعة.
في ظل حالة الارتباك والتخبّط الداخلي، تحاول الجماعة صوغ خطاب تنظيمي ينتقل من المحلية إلى العالمية، من خلال مجموعة من المؤسسات والأكاديميات المعنية بالتأهيل الفكري، ويتركز دورها على بث خطاب موجّه إلى روافدها وقواعدها التنظيمية، فضلاً عن مخاطبتها العقل الجمعي العربي، منها على سبيل المثال “معهد منهاج للفكر والثقافة”، الذي أُسّس كمبادرة شبابية من داخل الأردن، ويهتم بنشر الأدبيات الفكرية الإخوانية بين الشباب، عن طريق دورات ثقافية وتربوية، في حال أقرب إلى الجلسات واللقاءات التنظيمية المعروفة تحت مسمى “الأسر والكتائب”.
تخلّت جماعة الإخوان عن أدواتها التقليدية للتأثير في الدوائر المجتمعية المصرية والعربية، تطبيقاً لاستراتيجيتها الجديدة تجاه تنفيذ سيناريوات “أسلمة المجتمعات”، إذ لم تعد في حاجة للسيطرة على المساجد والمدارس والجامعات والنقابات المهنية، والأندية الشبابية والرياضية، لا سيما في ظل الوعي الأمني والشعبي المتعافي تجاه مخاطر جماعات الإسلامي السياسي والحركي.
تعتبر وسائل “التواصل الاجتماعي”، أحد أهم مسارات الاستقطاب والتجنيد الفكري للإخوان، الى جانب دورها في استكمال مراحل التربية الفكرية والثقافية للقواعد التنظيمية، من خلال التطبيقات التكنولوجية الحديثة، هروباً من الملاحقات الأمنية، مثل تطبيق ClickMeeting Webinars ، وتطبيق ZOOM Cloud Meetings، وتطبيق GoToWebinar، و تطبيق EasyWebinar .
عن طريق هذه التطبيقات، أجرت الجماعة عدداً من المحاضرات المعنية بمناقشة الإشكاليات الفكرية والسياسية التي وقعت فيها خلال تصدرها للمشهد السياسي في مصر، إضافة لتناولها مفاهيم وحدة المكوّن الإخواني، وكيفية الخروج من كبوتها، وقياس قدرتها على البقاء والانتشار وانسجامها مع الشارع المصري، ومدى استثمارها للإمكانات والظروف المتاحة، وإعادة تقديم نفسها مرة أخرى للرأي العام.
على هامش حالة التحول التنظيمي، تم إشهار مؤسسة “شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” MENA EDITORS ، في لندن كشركة غير ربحية برقم (11579456)، وتم افتتاح فرع لها في النمسا تحت رقم (1643702166)، وفرع ثالث تابع لاتحاد الجمعيات الأهلية في تركيا (أحد كيانات التنظيم الدولي)، برقم (34-263/068)، وفرع رابع بدولة تونس.
تعتبر منظمة “شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” من الكيانات الإعلامية والسياسية التي تلعب أدواراً مزدوجة، لا سيما في ظل ارتباطها بعدد من المؤسسات الأميركية والمموّلة للمشاريع المناهضة للأنظمة السياسية الحاكمة، وتقديمها لمجموعة من الدورات وورش العمل حول أساسيات الإعلام البديل أو الإعلام الموازي، ويشرف عليها مدرّبون من جنسيات عربية، تنتمي غالبيتهم تنظيمياً الى الجماعة، بهدف تمرير الأجندة الإخوانية في تفكيك البنية المجتمعية للشعوب العربية.
ضمت المؤسسة الإخوانية المشبوهة ” MENA EDITORS”، بين صفوفها التنظيمية والإدارية، أحد أخطر رجالات التنظيم الدولي، إسماعيل القريتلي (ليبي الجنسية) المدرج على قوائم الإرهاب، والذي لعب دوراً مهماً في خدمة جماعة الإخوان لسنوات طويلة داخل أفغانستان وقطر وبريطانيا، بناءً على تسريبات لجهاز الأمن الخارجي الليبي.
تعمل منظمة MENA EDITORS، وفقاً لمشروع التنظيم الدولي، في التوسع والانتشار عربياً وأفريقياً بين الأوساط الشبابية الجديدة، على نطاق واسع، في ظل تعثر المشروع الإخواني التنظيمي على أرض الواقع، مع فرضية الاتجاه نحو قطاعات مهنية مختلفة، سواء من الأطباء أم المحامين، أم المعلمين، الذين يتم استقطابهم بالنهج المؤسسي نفسه عربياً ودولياً من خلال تأسيس كيانات تقدم استشارات فنية ومهنية، تدخل في شراكة مع مؤسسات دولية كبرى بهدف تنفيذ مشروع توسعي ينطلق من أرضية دولية لا محلية.