BY: Vladimir Kara-Murza
الشرق اليوم – إن إحدى الروايات التي يروّج لها الكرملين دائما في حملاته الدعائية، “والتي دأب على ترديدها في أغلب الأحيان صحفيون ومحللون في الغرب بشكل يدعو للاستغراب”، تزعم أن الرئيس فلاديمير بوتين -بكل أخطائه- ما يزال يحظى بشعبية بين الناس العاديين. ولعل من يلجؤون لهذه الحجة ينسون على ما يبدو تفاصيل صغيرة، وهي أن الفوز بالانتخابات لا يكون متعذرا إذا غاب المعارضون عن صناديق الاقتراع.
ولطالما ظل الكرملين لسنوات يعمل على ضمان عدم وجود مرشحين بدلاء أقوياء، “بأي وسيلة كانت من حيل بيروقراطية وإصدار أحكام قضائية في الوقت المناسب، إلى تصفيات جسدية في أسوأ الأحوال”.
ويرى أغلب المراقبين الجادين أن السلطات الروسية لو سمحت لأليكسي نافالني -وهو أبرز معارضي بوتين- بالمشاركة في الاقتراع، لفاز أنصاره بمئات المقاعد في المجالس التشريعية الإقليمية والبرلمان القومي.
وكانت المرة الوحيدة التي تمكّن فيها نافالني من خوض انتخابات -وكان ذلك في انتخابات موسكو البلدية عام 2013- قد أسفرت عن حصوله على قرابة 30% من الأصوات.
وعوضا عن السماح لنافالني بالمنافسة هذه المرة، زُج به في السجن بتهم وصفتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنها “تعسفية وبلا مبرر واضح”، بينما رفضت وزارة العدل 9 طلبات تسجيل مرشحين من حزبه.
غير أن السلطات لم تتوقف عند هذا الحد، فقد وقّع بوتين مؤخرا قانونا جديدا في يوم عيد ميلاد نافالني، بكل ما يحمله ذلك من رمزية وتعمد واضح.
ويحظر ذلك القانون كل من له صلة بمجموعات “متطرفة” من الترشح لمنصب بالانتخابات في أي مستوى من المستويات، بدءا من مجالس القرى إلى مجلس الدوما (مجلس النواب) وهو الغرفة الدنيا في البرلمان الروسي. وبعد أيام من توقيع بوتين على القانون، صنَّف القضاء الروسي في حينه المنظمات المرتبطة بأليكسي نافالني على أنها “متطرفة”.
وفي الأسبوعين الماضيين، استبعدت السلطات الروسية العديد من رفاق نافالني المقربين من خوض انتخابات سبتمبر/أيلول، بذريعة عدم استيفائهم الشروط بموجب القيود الجديدة.
وفي تقرير صدر الشهر الماضي خلصت منظمة “غولوس” (Golos) لمراقبة الانتخابات، إلى أن ما لا يقل عن 9 ملايين روسي اعتُبروا غير مؤهلين للترشح لأي منصب انتخابي، بناء على العديد من إجراءات الحظر التي سنها “نظام بوتين” خلال العقدين الماضيين، ويشمل هذا العدد 6 ملايين من مزدوجي الجنسية و1.1 مليون من المدانين بجرائم سرقة.
ومشكلة الكرملين أن استبعاد المعارضين لم يعد يضمن له الفوز، ويعكس ذلك مدى تبرم العامة من بوتين، شأنه في ذلك شأن كل من يظل متمسكا بالسلطة 3 عقود، حيث بدأ شاغلو المناصب يفقدون كراسيهم حتى في غياب أي بديل.
وقد تجلى ذلك بشكل أكثر وضوحا في انتخابات مجلس نواب مدينة موسكو لعام 2019، عندما خسر المرشحون الموالون للنظام في نصف المقاطعات تقريبا دون وجود مرشحين بدلاء، و”ذلك لأن الناخبين كانوا يلتمسون أي طريقة متاحة لتوصيل رسالة” إلى النظام.
ووفقا لمركز “ليفادا” (Levada) المستقل لاستطلاعات الرأي في روسيا، فإن حزب بوتين يحظى بتأييد 15% من الناخبين في موسكو، بيد أن الكرملين يشير إلى خطط للمحافظة على أغلبية الثلثين في البرلمان المقبل، “وهو أمر يستحيل حسابيا تحقيقه بالنظر إلى نتائج استطلاعات الرأي”.
يمكننا القول إن الوسيلة الوحيدة المتبقية أمام الكرملين لتحقيق خططه تلك، ربما تكمن في اللجوء إلى الأسلوب القديم وهو “الاحتيال السافر”.
وكانت آخر مرة لجأ فيها الكرملين لذلك عام 2011، حيث شهدت روسيا أكبر احتجاجات عمّت الشوارع ضد حكم بوتين. حيث أن وقتا طويلا قد مضى منذ تلك الأحداث، قبل “التململ” الذي تشعر به الجماهير حاليا تجاه رجل يسعى لتنصيب نفسه رئيسا مدى الحياة، في إشارة إلى بوتين.
وفي رسالة بعث بها الأسبوع المنصرم من محبسه الاحتياطي كتب المعارض الروسي أندريه بيفوفاروف، قائلا إن “هذا النظام السياسي الهرِم والمتعفن يلفظه المجتمع”.
وأضاف “إذا لم تجد مطالب المجتمع أذنا صاغية، فإن الاحتجاجات ستجد وسائل غير متوقعة… وأنا على يقين من أن هذا (الوضع) لن يدوم طويلا”.
ترجمة: الجزيرة