By: Janine di Giovanni
الشرق اليوم – إن التأخر الشديد في القصاص من القتلة الذين ارتكبوا تطهيرا عرقيا وإبادة جماعية في البوسنة وكرواتيا، فيما عرف بحرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، يعتبر تأخيرا للعدالة وإنكارا لها، وأن الحقيقة الرهيبة هي أنه بعد عقود من هذه الحرب أصبح العالم معتادا جدا على جرائم الحروب.
إن الرئيس الصربي السابق، سلوبودان ميلوسوفيتش، الزعيم اليوغوسلافي الذي كان المهندس الرئيسي لحروب البلقان الدموية في التسعينيات، تحدى العدالة بطريقة دراماتيكية وتوفي في زنزانة سجن لمحكمة لاهاي في مارس/آذار 2006 قبل صدور الحكم عليه. إن نجاته من القصاص بالنسبة للعديد من البوسنيين توضح بالضبط ما ينبغي أن يقام به لتحقيق العدالة في البوسنة.
والدليل على هذا البطء والتأخر الشديد في تحقيق العدالة، أن مسؤولان صربيان سابقان أدينا الشهر الماضي في أطول قضية جرائم حرب دولية في التاريخ، بتهمة “المساعدة والتحريض” على جرائم حرب في البوسنة وكرواتيا، وهي من بين القضايا الأخيرة التي نظرت فيها المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، والتي أنشأتها الأمم المتحدة عام 1993 لمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
بحلول الوقت الذي أنهت فيه المحكمة الجنائية الدولية عملها رسميا عام 2017، حوكم 161 شخصا وأدين 90 منهم.
كما أن قضية المسؤولين الصربيين السابقين هي من بين القضايا المتبقية التي بدأتها المحكمة الجنائية، قبل أن يُجعل لها حد بموجب آلية مختلفة تابعة للأمم المتحدة. لا يزال هناك عدد من الأشخاص يواجهون تهما بارتكاب جرائم حرب في البوسنة، والعديد غيرهم يمشون أحرارا وأيديهم ملطخة بالدماء.
إن هذا الإجراء لا يسهل المصالحة والتئام الجروح، كما أنه لا يرسل رسالة واضحة إلى مجرمي الحرب الحاليين الذين يعيشون أحرارا، ولا يمكن أن يكون رادعا لمرتكبي الجرائم في المستقبل.
كما أن حكم السجن على هذين المسؤولين كان 12 سنة فقط، وهي عقوبة خفيفة مقارنة بجرائمهما، حيث قاما بجمع العديد من الرجال من مسلمي البوسنة والكروات وقتلوهم أو أرسلوهم إلى معسكرات اعتقال وحشية.
ولا يزال يعتبر الجنرال السابق راتكو مالديتش -الملقب بـ”جزار البوسنة”- بطلا قوميا في صربيا والجبل الأسود، وهو الذي قاد مذبحة سربرنيتسا في البوسنة التي قتل فيها 8 آلاف رجل وطفل مسلم، وجاء الحكم على هذه الإبادة الجماعية بالسجن المؤبد فقط.
وعن بطء سير العدالة ضد مجرمي الحرب في البوسنة، قال المحلل من منطقة البلقان تيم جوده، إن النقطة لا تتعلق بالوقت الذي تستغرقه العدالة، ولكن في حقيقة أن الشهية للعدالة الدولية قد تضاءلت.
وأضاف جوده “بدأ الأمر يتكشف وتطور في التسعينيات، لكن الحماس والتفاؤل بالعدالة الدولية تلاشى. وكان بالإمكان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة لأن الروس كانوا ضعفاء، والآن هم ليسوا كذلك، فلا يمكنك إنشاء محكمة لسوريا لأن الروس لن يسمحوا بذلك أبدا”.
وكما هو الحال في العديد من القضايا الأخرى، أصيبت الأمم المتحدة بالشلل بسبب قدرة أعضاء مجلس الأمن -مثل روسيا والصين- على استخدام حق النقض لحماية الأنظمة المنفذة للإبادة الجماعية، أو لمجرد النقض ضد عملية العدالة الدولية التي يرونها “تدخلا في الشؤون الداخلية”.
قد يكون من الصعب استعادة هذا النوع من العاطفة تجاه العدالة لدى صناع القرار وقادة الرأي العالميين، في أعقاب الإبادة الجماعية المروعة في البوسنة ورواندا.
يمكننا القول إن الموروثات الشنيعة لهذه الجرائم يجب أن تكون بمثابة تذكير قوي بما يمكن أن يحدث على مرأى منا ومسمع، مشيرة إلى أن علينا تحمل مسؤولية التحدث علنا عن هذه الجرائم، ومواصلة محاكمة الجناة والتثقيف بشأن الإبادة الجماعية التي يجب ألا تتكرر.
ترجمة: الجزيرة